وأن المبعوث الأمريكي جورج ميتشل يصبو لتحقيق خطوة للأمام، في الوقت الذي يبذل به نتنياهو قصارى جهده لإضاعة الوقت، ويتحسب من مساءلة الشعب له في القريب العاجل عن الأسباب التي حدت به إلى بذل كل تلك الجهود للعودة إلى منصب رئاسة الحكومة. وإزاء هذا الواقع فلا مناص من عودة الفلسطينيين والإسرائيليين إلى طاولة المفاوضات لأنها الأمر الوحيد الذي تحتاجه الأطراف كافة حتى لو تطلب الإعداد له مدة أسابيع من التحضير.
في مقابلة أجريت مع ميتشل من قبل المحطة التلفزيونية بي بي إس قال: «إنه يهدف من المفاوضات إلى التنفيذ الكامل لمبادرة السلام العربية التي دعت إلى انسحاب إسرائيل من الضفة الغربية والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان ومزارع شبعا والعودة إلى حدود 4 حزيران عام 1967 التي ستكون حدود دولة فلسطين، والتوصل إلى حل عادل ومتفق عليه بالنسبة لموضوع اللاجئين الفلسطينيين، وذلك نظير إنهاء النزاع والتطبيع الشامل للعلاقات بين إسرائيل والعالم العربي، وتنفيذ ذلك في غصون عامين. وهنا يبدو ميتشل مفرطا في التفاؤل، لكن تفاؤله هذا لم يأت من فراغ لأنه جابه في إيرلندا الشمالية معضلات أكثر صعوبة، ويعتقد أن بإمكانه استخدام ذات الوسائل التي استخدمها في ايرلندا لحل النزاع في الشرق الأوسط.
يلقي المجتمع الدولي الملامة على إسرائيل، ويعتبرها المسؤولة عن استمرار النزاع لأنها مازالت متمسكة بالإبقاء على المستوطنات وتوطين اليهود وتهويد القدس الشرقية، الأمر الذي قاد إلى نوع من التعاطف العالمي مع الفلسطينيين ودعم إقامة دولة لهم في أقرب وقت. لكن نتنياهو يرى البدء بالمفاوضات دون تحديد مدة لإنهائها، وأن تبدأ بالقضايا الصغيرة، وأكد عدم إمكانية تحقيق اتفاق نهائي في غضون عامين، وأيده في ذلك السفير الإسرائيلي في واشنطن عندما قال: إن جدول أعمال ميتشل غير واقعي وقد يفضي الى نتائج عكسية.
يسعى الفلسطينيون إلى كسب التأييد الأمريكي لإقامة دولة ضمن حدود 1967، وبأقل مساحة ممكنة من التبادل في الأراضي، وأن تكون القدس الشرقية عاصمة لها، لكن نتنياهو يقول بضرورة طرح كافة الأمور على بساط البحث مثل الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية والالتزام بإنهاء النزاع. ويرى أحد وزراء الحكومة أن المناقشة الشاملة عديمة الجدوى ولن تفضي إلى نتائج يمكن تحقيقها ومن الأفضل البدء بالخطوات والأمور البسيطة.
يرى ميتشل أن يبدأ التفاوض على الحدود لأنه في نظره الأمر الأقل تعقيدا، وعندما يتم ترسيمها فإن معضلة المستوطنات ستحل بشكل آلي، وستعرف إسرائيل المواقع التي يسمح لها البناء بها، وسيكون الفلسطينيون أحرارا في طريقة بناء دولتهم. وفي هذه الحالة ستستبعد قضية القدس واللاجئين، لكن نتنياهو يعارض فكرة التركيز على الحدود، حيث صرح مصدر وزاري أن ذلك قد يكون خدعة تلزمنا بأن نعطي دون أن نأخذ شيئا مقابل ذلك.
في اجتماعات منتدى السبعة الذي يضم كبار الوزراء، حذر نائب وزير الحكومة موشيه يعالون من مغبة تقديم أي تنازلات في الأراضي أو ترحيل للمستوطنين، لأن ذلك يمثل رسالة ضعف، ويشجع العدو على المزيد من الطلبات.
يرى وزير الدفاع ايهود باراك التوجه نحو المرحلة الثانية من خارطة الطريق التي تدعو لإقامة دولة فلسطينية مستقلة بحدود مؤقتة، ويرى بأن التفاوض على ذلك يتطلب سنتين يضاف إليهما ثلاث سنوات للتطبيق، الأمر الذي يمكن إسرائيل من تطوير قدراتها في مجال المضادات للصواريخ، ويعتقد بأن الترتيبات المؤقتة تتطلب تهجير الكثير من المستوطنين حيث سيغادر البعض منهم وفقا لترتيبات تطوعية، ويتم تعويضهم ماديا، أما الآخرون فسيترك لهم تقرير البقاء في فلسطين، كما يرى بأن البعض منهم سيختار هذا الحل.
عاد ميتشل إلى المنطقة، ويتابع الآن العمل بوضع صيغة للمفاوضات، ومن غير المعروف إن كانت المحادثات ستجري بشكل مباشر أم غير مباشر بين الطرفين، لكن ما يبدو هو أن عباس لن يجتمع مع نتنياهو على غرار ما عهدناه من اجتماعات في عهد اولمرت، مع احتمال تولي مبعوث الحكومة اسحاق مولوكو متابعة عملية التفاوض. وفي سائر الأحوال، فإنه بعد سنة او سنتين من الآن يكون الوقت قد حان لظهور ما تسفر عنه المفاوضات من نتائج، وعندها تكون وعود نتنياهو وتصريحات ميتشل بشأن احتمال توقيع اتفاق موضعا للاختبار الفعلي.
بقلم: ألوف بن