بعد حرب تموز عام 2006 والحرب العدوانية على غزة في العام الماضي, وبعد ان تحولت المقاومة بحسب دراسة أعدها مؤخرا معهد البحوث الأمنية الى: «أحد الأخطار الأشدّ التي تواجهها إسرائيل اليوم» .
مقاومة متعددة الوجوه
ترى الدراسة أن قوى المقاومة باتت متعدّدة الوجوه. وبرغم التباينات الايديولوجية بين قوى المقاومة. والفارق في النظرة بين قوى المقاومة التي تجسد دولا أو دولا في طور النشأة وبين القوى التي ليست دولاً.إلا أن الفارق يتبدّى بشكل أساسي في تحديد الأهداف وفي أنماط البناء العسكري. ومع ذلك فإن أهدافاً ومبادئ مشتركة بينها الرغبة في استنزاف العدو وعرض قدرات تضحية عالية واستخدام أساليب قتال بسيطة والسعي لإلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر العسكرية والمدنية في صفوف العدو، وإلى جانب ذلك تسعى قوى المقاومة إلى إظهار الترابط مع الجمهور والتنكّر للأنظمة القائمة التي تعرض كفاسدة ومشوهة فكرياً وخاضعة للغرب.
الرد الإسرائيلي
وقد أعلنت وزارة الحرب عن إنهاء الاختبارات التي تجريها على المنظومة الدفاعية لاعتراض الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى، المعروفة باسم «القبة الحديدية» . وقالت إن المنظومة اجتازت بنجاح كافة الاختبارات وبذلك تكون «القبة الحديدية جاهزة للاستخدام العملاني» والتي يفترض أن تعترض الصواريخ محلية الصنع التي تنطلق من قطاع غزة و«تهديدات أخرى محتملة». وذكرت تقارير صحافية إسرائيلية متطابقة نقلا عن مصادر في وزارة الحرب أن «القبة الحديدية» اجتازت بنجاح كافة الاختبارات في اليومين الماضيين ومن ضمنها تشغيل كافة مركباتها للمرة الأولى في سيناريو يحاكي وضعا يتم فيه إطلاق صليات صواريخ تجاه «إسرائيل»، من طراز القسام وغراد. وأيضا تهديدات مختلفة أخرى « على حد تعبير المصادر ذاتها.وتعتبر مصادر عسكرية إسرائيلية ان « القبة الحديدية» هي الجواب الإسرائيلي على إطلاق الصواريخ التي يتراوح مداها بين أربعة كيلومترات الى أكثر من 70 كيلومترا من ضمنها «القسام» وصواريخ «غراد» و «فجر» الإيرانية «الموجودة بحوزة حزب الله وربما أيضا بحوزة حماس في قطاع غزة»، كما تقول المصادر الإسرائيلية.
وذكر موقع ديبكا الاستخباري ان هذه المنظومة «القبة الحديدية» تضم نظام دفاع جوي متحرك طور من قبل شركة رافائيل لأنظمة الدفاع المتقدمة، والهدف منه اعتراض الصواريخ قصيرة المدى والقذائف المدفعية. في شهر شباط من عام 2007 اختار وزير الحرب الإسرائيلي عمير بيرتز نظام القبة الحديدية كحل دفاعي لإبعاد خطر الصواريخ قصيرة المدى عن إسرائيل. منذ ذلك الحين بدأ تطور النظام الذي بلغت كلفته 210 ملايين دولار بالتعاون مع جيش الاحتلال الإسرائيلي ومن المقرر ان يدخل الخدمة في منتصف عام 2010م.وتدعي مصادر وزارة الحرب ان هذا النظام يحمي إسرائيل من الصواريخ قصيرة المدى بعد حرب تموز 2006 حيث أطلق حزب الله ما يزيد على 4000 صاروخ كاتيوشا قصير المدى سقطت في شمال إسرائيل وأدت إلى مقتل 44 مدنياً إسرائيلياً وأدى التخوف من هذه الصواريخ إلى لجوء حوالي مليون إسرائيلي إلى الملاجئ، كذلك أكد هذا الأمر استمرار حركة حماس وبعض الفصائل الفلسطينية بإطلاق الصواريخ حيث أطلق ما يزيد على 8000 صاروخ كان آخرها إطلاق صواريخ من عيار 122 ملم، وان هذا النظام مخصص لصد الصواريخ قصيرة المدى والقذائف المدفعية من عيار 155 ملم والتي يصل مداها إلى 70 كم، ويعمل في مختلف الظروف نشر هذا النظام الذي أطلقت عليه اسم (تامير) حول قطاع غزة على ان تدخل حيز التشغيل في النصف الثاني من عام 2010م.
كلفة تشغيل مرتفعة
وأضاف الموقع المذكور، إن منظومة «القبة الحديدية» التي أعلن عنها تستطيع في هيئتها الحالية وعند بدء العمل فيها خلال العام الحالي توفير الأمن لسكان بلدة سديروت جنوب الأراضي المحتلة عام 1948 فقط لا غير، وأكد الموقع نقلاً عن مصادر عسكرية مطلعة أنه ومن أجل تشكيل خط دفاعي عن المدن والقرى الصهيونية القريبة من حدود قطاع غزة بالإضافة إلى مدينة المجدل ونتيفوت فإن جيش الاحتلال بحاجة إلى 12 بطارية صواريخ من هذه المنظومة.
وأشارت المصادر إلى أن شركة رافائيل للصناعات العسكرية وسلاح الجو الصهيوني لا يستطيعان في هذه الأثناء نصب البطاريات الاثنتي عشرة اللازمة حيث إن ثمن الواحدة منها يبلغ نحو 60 مليون شيكل إضافة لوحدة المشغلين والخدمات اللوجستية العسكرية والبنية التحتية إذ سيكلف الأمر في حينه نحو 1.75 مليار شيكل. وأوضحت المصادر أن القبة الحديدية مكلفة للغاية وثمن تشغيلها مكلف جداً أيضاً، حيث إن تكلفة ضرب كل صاروخ تصل إلى 60 ألف دولار في حين لا يصل ثمن الصاروخ الذي تضربه وتفجره بالجو إلا 300 دولار فقط.
«القبة» قصيرة النظر
وحسب الموقع الصهيوني فإن القبة الحديدية مبنية على أساس ضرب الصواريخ التي يبلغ مداها 4 إلى 70 كيلومتراً فقط، أي إنها لا تستطيع إيقاف صاروخ القسام قصير المدى أو أي صاروخ قصير أيضًا. وقالت مصادر صهيونية –حسب ديبكا-: في حال أطلقت حركة حماس أو حزب الله صواريخ من منطقة قريبة على الحدود الصهيونية كالمنطقة الشمالية في شمال قطاع غزة ويتم توجيهها إلى هدف معين فإن القبة الحديدية لن تستطيع إيقافها ولا بد أن تصيب تلك الصواريخ هدفها.
وأضافت إن هذا الأمر سيدفع حزب الله وحماس إلى إطلاق صواريخهم من منطقة قريبة على حدود إسرائيل، وفي هذه الحالة سيكون المقاومون عرضة للطائرات الإسرائيلية وجنود الاحتلال، ولا يبقى لهم إطلاق الصواريخ قصيرة المدى من أجل إصابة بعض الأهداف. وهناك مشكلة أخرى تتعلق بهذا الأمر، حيث ذكر الموقع أن جيش الاحتلال جهز عدة منظومات لردع الصواريخ المختلفة.
وذكر مراسل معاريف العسكري ان وزارة الحرب قد أنهت حديثا سلسلة تجارب على جهاز «القبة الحديدية» في أثناء السنة الماضية، والمعنى: في غضون نحو شهر سينقل أول جهاز لاعتراض المقذوفات الصاروخية من طراز «قسام» و «غراد» و «قذائف الهاون»، الى منظومة مضادات الطائرات، الى كتيبة «القبة الحديدية» التي أقيمت خصيصا لهذا الغرض، من اجل التدرب عليه. في المرحلة الأولى ستنصب عدة أجهزة على الحدود الجنوبية أمام غزة، وعند الحاجة ستنصب في الشمال أيضا. وستكون هذه الأجهزة عملية في غضون نصف سنة.
العصا السحرية
في اليومين الأخيرين أجرى رجال وزارة الحرب وشركة رافائيل (سلطة تطوير الوسائل القتالية) سلسلة تجارب أخرى. وحسب شلومو درور، الناطق بلسان وزارة الدفاع، نجح الجهاز لأول مرة في اعتراض صلية من عدة مقذوفات صاروخية في نفس الوقت. وكان تطوير الجهاز كلف نحو 860 مليون شيكل، واستخدامه أيضا – إذا كانت هناك حاجة لذلك – لن يكون زهيدا. ثمن الصاروخ الاعتراضي الواحد ألفا دولار مقابل بضع مئات من عملة الشيكل هي تكلفة مقذوفة صاروخية من نوع «قسام».
وأضافت معاريف أنهم في وزارة الحرب يشددون على أن تطوير الجهاز يفي بالجداول الزمنية التي قررها قادة «مفات» (مديرية البحث والتطوير للوسائل القتالية والبنى التحتية التكنولوجية)، في وزارة الدفاع. وهو يرمي الى حماية إسرائيل من الصواريخ والمقذوفات الصاروخية قصيرة المدى، ويشكل طبقة تحتية في منظومة الدفاع متعددة الطبقات لإسرائيل في وجه المقذوفات الصاروخية من أنواع مختلفة. فوق هذه الطبقة يوجد جهاز «شربيت قساميم» (العصا السحرية) والتي توجد قيد التطوير ومخصصة لمواجهة مقذوفات صاروخية ذات مدى متوسط، وكذا بطاريات «باتريوت» و «حيتس» التي تتصدى لصواريخ باليستية من أنواع وارتفاعات مختلفة.
وشدد مصدر امني على ان «رجال» رافائيل و «مفات» نجحوا في اختراق الطريق نحو تطوير المنظومة بسرعة غير مسبوقة «.ومع ذلك تشدد المصادر الأمنية على أن منظومة «القبة الحديدية» ليست جوابا كاملا على المقذوفات الصاروخية من غزة. «لا يوجد مئة في المئة اعتراف ومن المهم ان يفهم الجمهور ذلك»، كما يقولون.
وعلق وزير الحرب باراك على ان سلسلة التجارب الناجحة تشكل مؤشرا هاما على طريق تطوير منظومة «قبة حديدية» والتي ستحسن الدفاع عن سكان الجنوب أمام تهديد الصواريخ. «نجاح التجارب يشكل تعبيرا عن قدرة رجال رافائيل، وزارة الدفاع، «التا» وغيرها من الصناعات الأمنية» .
أما عاموس هرئيل المراسل العسكري في هآرتس فقد اعتبر نجاح هذه المنظومة بمثابة تغيير استراتيجي فيما اسماه قوة الردع قائلا: «سلسلة التجارب التي أجريت في الأيام الأخيرة في ميدان التجارب في النقب على منظومة: «القبة الحديدية» سجلت نجاحا في اعتراض عدة صليات من الصواريخ الواحدة تلو الأخرى، بل وعرفت كيف تعثر على أي الصواريخ التي ينبغي لها ان تطاردها (لان حساب المسار دل على خطر سقوط في منطقة إسرائيلية مأهولة). لأول مرة جرى التدرب على كل عناصر المنظومة معا. مرحلة التطوير تقترب الآن من نهايتها.
رهان الحرب
بالنسبة لوزير الدفاع ايهود باراك والمدير العام المنصرف لوزارته بنحاس بوخارس، اللذين دفعا المشروع الى الأمام فان هذا بالتأكيد سبب للرضا؛ في ضوء الإنجاز التكنولوجي، السرعة والتفاني الذي تحقق فيها. أساس الخطوة تعود الى رجال «رافائيل» الذين عملوا على مدار الساعة كي يفوا بالجدول الزمني الكثيف الذي تعهدوا به. مدير عام الشركة، يديدا يعاري قال. إن «قبة حديدية» ستوفر جوابا على القذائف الصاروخية وقنابل الهاون، ذات المدى الذي يصل من 4 الى 70 كيلومتراً: من قاذفات القنابل البسيطة عبر قسام حماس وكاتيوشا حزب الله وحتى فجر الإيراني الذي يبدو انه تسلل أيضا الى قطاع غزة. في المدى الزمني البعيد، يعد هذا تغييرا استراتيجيا. ومع ذلك فان الجواب في الجبهة الداخلية ليس كاملا لثلاثة أسباب: وعد المنظومة لم يختبر بعد في الواقع، إسرائيل ما زالت لم تتزود ببطاريات إضافية أما الطبقة الوسطى لمنظومة الاعتراض («شربيت قساميم»، (العصا السحرية) منظومة اعتراض الصواريخ في المدى الذي بين «قبة حديدية» و «حيتس») لم تصل الى مرحلة متقدمة جدا. قفزة الدرجة متوقعة في 2012 فقط. بطارية «القبة الحديدية» الأولى ستسلم الى سلاح الجو بعد نحو شهر ونصف. وفي الجيش الإسرائيلي يأملون بأن يصفوها كمنظومة عملياتية منذ أيار القريب القادم، بطارية قادرة على حماية مدينة متوسطة في حجمها مثل سديروت. السؤال الكبير سيكون حجم التزود بالبطاريات التالية. فمن أجل حماية غلاف غزة وحدود لبنان مطلوب نحو 20 بطارية كلفة كل واحدة منها كفيلة بأن تصل الى 50 مليون شيكل. وهذا مبلغ يستوجب تخصيص مخصصات ذات مغزى، بعضها على الأقل من ميزانية وزارة الحرب. التزود ببطاريات أولية إضافية سيستمر نحو سنة ومنظومة مضادات الطائرات، من المنظومات النوعية لدى الجيش الإسرائيلي يتعين عليها أن تفي بالمعايير العالية التي أملتها هنا «رفائيل» .
وتساءل المراسل العسكري لهآرتس في نهاية مقاله: هل «القبة الحديدية» ستقود إسرائيل الى رهان حرب متجددة في القطاع؟ ينبغي الأمل في ألا يشجع التزود بها على خطوات مغامرة في المستقبل. وهي بالذات يمكنها ان تساعد على استقرار الوضع وتحسين الردع حيال حماس. المنظمة الإسلامية لن تكون في كل الأحوال شريكاً للسلام، ولكن إذا ما عرفت بأن قدرتها على إلحاق ضرر بإسرائيل تقل، سيقل الإغراء لديها في أن تخاطر بالاستفزازات. وبالمقابل، من المعقول ان يسعى الفلسطينيون الى وضع المنظومة تحت الاختبار في الزمن الحقيقي ولو بسبب الأمل في إنجاز رمزي، في اقتحام الستار التكنولوجي الإسرائيلي.