ابتداء من استنفاد الطاقة والتوتر النفسي والارهاق وغيرها، إلا أن مشكلة خطيرة في هذا الاطار بدأت تطفو بوضوح على السطح يطلق عليها الأطباء وخبراء علم النفس الاحتراق النفسي وتعرف بأنها آخر وأخطر مرحلة من التوتر النفسي و غالباً مايغفل المرء عن عوارضها الأولى لكن المخزون العاطفي يتعرض تدريجياً لاستنزاف في موارده بعد فترة من الضغوط النفسية بسبب الأجواء السائدة في محيط العمل أوالأشخاص الذين يتم التعامل معهم أونقص الحوافز أوفائض الأعمال التي يجب انجازها .
وحسب خبيرة علم النفس الألمانية تشير هايت فإن الحالة النفسية والجسدية لا تكف عن التدهور حتى اللحظة التي يتعرقل فيه مسار حياتنا ونجد أنفسنا عاجزين كلياً عن أداء العمل.
ظاهرة الاحتراق النفسي في اليابان مثلاً والتي تسمى كاروشي أي الوفاة الناجمة عن الافراط في العمل تتخذ منحى أخطر حيث يسبب تراكم التعب في مكان العمل إلى الانتحار أو الوفاة المفاجئة ويصيب سنوياً عدداً لايستهان به من العمال .
ويؤكد العاملون في الحقول الطبية لجامعة أوهايو في الولايات المتحدة في هذا الاطار أن الاحتراق النفسي مرض مهني يصيب بشكل أكبر العاملين في مجالات يتعرضون فيها لضغوط عاطفية قوية لكنه أيضاً قد يصيب الأشخاص الذين يميلون إلى المثالية في أعمالهم ، بمعنى آخر الأشخاص الذين يرفضون اسناد بعض المهمات إلى غيرهم ويضعون أمامهم توقعات تتخطى الحدود المنطقية فيقعون من عرش توقعاتهم حين يفشلون في تحقيق ماسعوا إليه طويلاً.
المؤشرات التي تستبعد الاحتراق النفسي
يمكننا الحديث عن ثلاثة مؤشرات :
الأول هو الاستنزاف العاطفي والجسدي والنفسي والذي يترجم حسب تشير هايت في مكان العمل بحالة من التعب المزمن الذي يصعب حياة الفرد.
أما المؤشر الثاني هو النزعة إلى التجرد من البعد الانساني في العلاقة مع الآخر ويظهر ذلك جلياً في السخرية من زملاء العمل على سبيل المثال فيما يتمثل المؤشر الثالث بتراجع نسبة النجاح في تحقيق الذات والطموحات حيث تستقر خيبة الأمل في النفس بعد قضاء عدد من السنوات في المكان نفسه فنعيش خيبة فعلية تنتزع منا الرغبة في العمل .
مرض معد وقد يتحول إلى وباء
قد تطال ظاهرة الاحتراق النفسي المهن كافة ويتوقف ذلك على مدى أهمية العلاقة مع الآخر .
يشير خبراء علم النفس أن بعض المهن أكثر حساسية من غيرها ، وأصحابها عرضة أكثر من غيرهم للاصابة به مثل المدرسين - الصحفيين - القضاة - الحراس- رجال الشرطة -مديري الشركات، في هذه المهن يكون الاحتكاك بالآخر قوياً وقد يقود إلى استنزاف الشخص نفسه بشكل أسرع كذلك يجب التنبه إلى أنه مرض معد يصبح بمثابة وباء يطال كل من يحيط بنا من زملاء العمل.
وتشير التقديرات إلى أن شخصين من كل عشرة أشخاص معرضون للاصابة به .
إعادة رسم محاور الحياة
إذاً كيف يمكن تجنب الوقوع في فخ هذا المرض المهني وكيف يمكن تقويم مسار الحياة للشعور بالتحسن ؟
من الصعب أحياناً معرفة ما إذا كنا ضحايا لاستنزاف عقلي أوتراجع في احترام الذات أوإذا كنا أصبحنا فريسة للشعور بعدم الكفاءة أو اللامبالاة لكنها تبقى مؤشرات يجب مراقبتها لتفادي الوصول إلي الاحتراق النفسي .
وتنصح تشير هايت بضرورة ابطاء مسار حياتنا العامة بمعنى تخصيص الوقت اللازم للقيام بنشاط واحد وضرورة تعلم الصبر وقبول الملل أحياناً باعتباره لحظة سكينة لاستعادة النشاط إضافة لضرورة تجنب المبالغة في الطموحات والتنبه إلى الحاجات الشخصية والمحافظة على سير الحياة خارج اطار العمل. ووفقاً لأطباء علم النفس فإن هذا المرض المهني قد يشكل ولادة وبداية جديدتين وقد يؤدي إلى تغيير في عقلية الأشخاص الذين فقدوا توازنهم في العمل .