فالأسر كانت أكبر من حيث معدل عدد الأفراد فقد كانت البيوت تمتلئ بأطفال كثيرين يلعبون ويمرحون وأحياناً يتخاصمون ويتشاجرون من دون أن يزعج ذلك أحداً.
إذ إنه كان عرفاً جارياً فضلاً على أن وجود أولاد وبنات أكبر وبعدد كاف وقادرين على متابعة إخوتهم وأخواتهم الأصغر والعناية بهم ورعايتهم وكان كفيلاً بردع الصغار عن ارتكاب حماقات لاتحمد عقباها.
أما اليوم فأصبح الصغير الشقي موضع انتباه العائلات الأخرى من أقارب وجيران وبات سلوكه إذا كان شقياً جداً يثير امتعاضهم وذلك لأن العائلات اعتادت العيش على شكل خلايا مستقلة أصغر حجماً وأكثر عدداً .
لذلك أصبح من المستحيل ايجاد علاقة طردية بين سلوك الطفل الصغير وشخصيته اللاحقة بمافيها أثناء المراهقة .
وأكدت الدراسات العديدة أن الطفل الذي يكون شقياً في صغره يصبح هادئاً في كبره فلم يبق ذلك الطفل الشقي وأمضى مراهقة بالأحرى هادئة عدا عن حالات نفسية معينة يمر بها أي مراهق تمثلت أحياناً في خلافات بسيطة مع الوالدين ثم أصبح طالباً جامعياً متفوقاً ثم رجلاً صالحاً وناجحاً مهنياً لم يلبث أن يصبح زوجاً وأباً طيباً بدوره وينطبق الأمر على كثيرين لكن ذلك لايعني في المقابل أن الطفل الشقي سيصبح بالضرورة مراهقاً وديعاً وشاباً هادئاً ومن خلال الدراسات لوحظت حالتان لطفلين شديدي الحركة وبسلوك عدواني نوعاً ما فوجد الباحثون أن أحدهما خفف من حدته لاحقاً لكنه ظل هامشياً وغير قادر على الانسجام مع المجتمع وعلى خصام دائم مع والديه ومتعثراً في الدراسة لكن من دون أن يكون عنيفاً فعلاً .
أما الآخر فكان متمرداً وعدوانياً في صغره وظل كذلك لابل تعقدت وضعيته ونحا منحى منحرفاً .
وهناك أطفال آخرون ممن شملتهم الدراسة ومن جنسيات مختلفة ونوعيات اجتماعية مختلفة أيضاً وضعوا في خانة الأولاد والمشاكسين الأشقياء تابعوا حياة هادئة لاحقاً .
وأصبحوا عناصر عادية ولامعة في المجتمع فهذا كهربائي وذلك محلل بيولوجي متدرب في أحد المختبرات وآخر مضيف طيران وتلك ممرضة وأخرى طالبة ماجستير في القانون.
لذا ليس من المنطق بتاتاً التهويل في شأن طفل يلاحظ محيطه أنه شقي في سن عامين أوثلاثة أعوام وهذا مايكشف أن الكثيرين مخطئون في عتابهم شديد اللهجة وتحذيرهم من مغبة سلوك بعض الأطفال لأن شخصيتهم في هذه الفترة غير ذات صلة بشخصيتهم النهائية فمستقبل الطفل ليس مكتوباً في سن 3 أعوام ولامسجلاً في جيناته أوبرنامجه في النمو وإن عناده ومشاكسته وبعبارة أخرى -وقاحته- كما يسمونها لن تجعله بالضرورة مراهقاً عنيفاً ولاشاباً عدوانياً .