تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


رغـــم قلــة أعمالهـم أثــروا الآداب العالميــة

ثقافة
السبت 17-3-2012
هفاف ميهوب

في اجتماع عقده أدباء روسيا ضمَّ الأديب الكبير «تولستوي», سُئل عن سبب كونه قليل الإنتاج وبطيء القراءة والكتابة ليكون جوابه:

«إنني لا أقرأ وإنما أدرس وأبحثُ وأتأمَّل في كل سطرٍ أقرأه.. لقد استغرقتُ أكثر من ثلاثة أشهر كاملة في قراءة كتاب لأحد فلاسفة الهند, أما عندما أجلس لأكتب فأحرص على أن أكتب الفقرة الأولى أربع مرات.. في المرة الأولى أضع المعنى وفي الثانية أضيف ما كنت قد استبعدته في المعنى وفي الثالثة, أستبعد ما أراه غير لازمٍ أو ضروري وأخيراً أضع العبارة في صيغتها النهائية».. ‏

إن ما قاله هذا الأديب دفع أصدقاؤه الأدباء لوصفه بالسلحفاة ما دفعه للضحك ومن ثم للقول: «ربما.. لكن لا تنسوا سباقها مع الأرنب الذي سخر منها في غرور فإذ بها تصل قبله إلى نهاية الشوط»..‏

إنها قناعته التي جعلت منه ورغم قلة أعماله, أديباً على درجة موفَّقه في إبداع ما سعى إليه حسب منهج ٍ اعتبره الأهم للوصول إلى الكمال الإبداعي..‏

حتماً لا يمكن أن نعمِّم الطريقة التي انتهجها هذا الأديب على سواه من الأدباء الذين لا يمكن الحكم على أعمالهم من خلال الفترة التي استغرقوها في كتابتها أو غزارة إصداراتها ذلك أن لكلِّ منهم أسلوبه وحياته وظروفه والأهم زمنه.. الزمن الذي قد يطول لدى البعض منهم وقد لا يمهل البعض الآخر لتقديم المزيد مما يخلدهم..‏

أما عن الأدباء الذين ورغم قلة إنتاجهم أثروا الآداب العالمية, فمنهم:‏

أخرج القصة من «المعطف» و اعتزل‏

- غوغول: أديب روسي‏

إنه الأديب الذي دفعت قصته «المعطف» الأديب «دوستويفسكي» للقول: «القصة الروسية خرجت من معطف «غوغول»، قاصداً بذلك ما تركته هذه القصة من أثر على الآداب الروسية خاصة ومن ثم على العالمية. لكن, ورغم ما لاقاه من شهرةٍ ونجاح وخصوصاً بعد كتابة مسرحية «المفتش العام» وقصة «أرواح ميتة» اللتين هزتا الرأي العام إلا أنه لم يكن راضياً عن إنتاجه ما سبَّب له يأساً دفعه لإحراق القسم الأكبر من مؤلفاته, وإلى أن تدهورت صحته ومات زاهداً وفي أيأسِ حال.‏

كل هذا لم يمنع من أن يكون (غوغول) الأب الروحي للقصة الروسية بل صاحب (المعطف) الذي خرجت منه روائع الآداب العالمية.‏

قضى في «البحث عن الزمن المفقود»‏

- مارسيل بروست: أديب فرنسي‏

قضى عمره في (البحث عن الزمن المفقود) بيدَ أن مرض الربو الذي عانى منه هذا الأديب ومنذ طفولته جعله يسارع لكتابة روايته (جان سانتوري). الرواية التي استمر يكتبها خمس سنوات والتي لم تُنشَر إلا بعد وفاته بحوالي ثلاثين عاماً..‏

في هذه الرواية يستعجل «بروست» سيرته الذاتية. نوازعه وهواجسه وسلوكه الانطوائي الغامض الذي كان سببه إحساسه بالخشية من فقدان الزمن وهو ما ألهمه كتابة «البحث عن الزمن المفقود». الرواية التي استغرق في كتابتها أحد عشر عاماً أنهاها بعدها وكان في لحظات نزعه الأخير..‏

إذاً.. الزمن هو من جعل إنتاج هذا المبدع قليلاً, ذلك أنه كان في حالة سباق دائم مع الموت ودون أن يمنعه ذلك من تدوين ما جعله من أهم روائيي القرن العشرين وبما استحق عليه قول الناقد الأميركي «أدمون ولسون»:‏

«في البحث عن الزمن المفقود» جحيم لعواطفنا وبؤرة لأحلامنا. إنها تسحرنا سحراً عظيماً لأننا في أثناء قراءتها نميل إلى قبولها جميعاً وإن «بروست» عقلٌ من عقولِ عصرنا العظيمة, ومخيلته من المخيلات عميقة الأبعاد وهو آخر مؤرخ لما عرفته دار شجون الحضارة الرأسمالية من حبٍّ ومجتمعٍ وألمعيَّة ودبلوماسية وأدب وفنٍّ»..‏

عاش ظلامٌ أنارتهُ «أوليسيس»‏

- جيمس جويس: أديب أيرلندي‏

كان مغرماً بالأدب لكن همومه إضافةً إلى ضعف بصره الذي رافقه مُذ كان طفلاً وإلى أن تفاقم بعد أن كبر وغدا كاتباً،هما السبب في قلة إنتاجه الذي منه (أهالي دبلن) و (يقظة فيغاس) لتكون رائعته (أوليسيس) التي استغرق في كتابتها ما يزيد على ست سنوات, هي من أطلقته إلى قمة المجد لطالما اعتُبرت من القمم الشامخة ومن روائع الأدب العالمي, ما كان سبباً في وصفه برائد الرواية العالمية.‏

بعد هذه الرواية قيدته الويلات والمحن ما جعله يعيش في تيهٍ مظلم الرؤيا وإلى أن رحل تاركاً أعظم رواية إبداعية..‏

تألَّق في «العطر» ومازال مجهولاً‏

< باتريك زوسكيند: أديب ألماني‏

استطاع هذا الأديب و رغم قلة أعماله أن يحقق مكانة واسعة و مميزة جعلت نجمه يسطع بعد عرض مسرحيته (عازف الكونترباس) ليكون تألقه و شهرته الأكبر بعد روايته «العطر» التي جعلته من أشهر أدباء القرن العشرين ذلك أنه قبلها لم يكن معروفاً لطالما فضَّل العزلة و الابتعاد عن المقابلات الصحفية والأضواء..‏

أيضاً ورغم كتابته لرواية «الحمامة» إلا أنه لا يزال غامض الحياة و الأوقات و الهوايات ما جعل النقاد و الأدباء و الصحفيين يصفونه بالمبدع المشهور و المجهول في آنٍ..‏

أرعبها النجاح فهجرت الأدب‏

< هاربرلي: أديبة أميركية‏

في منزل أحد أصدقائها أعطيت أجر سنة كاملة كهدية مع ملاحظة: «أمامك سنة كاملة لتكتبي ما تشائين». بعدها بدأت بكتابة روايتها (لا تقتل عصفوراً ساخراً) الرواية التي كتبتها خلال عام واحد ودون أن تدري بأنها ستلاقي من النجاح ما جعلها الأكثر مبيعاً وبما جعلها تقول: «لم أتوقع نجاحاً لهذه الرواية.. كنت آمل لها موتاً سريعاً على يد النقاد ولكن في الوقت ذاته تمنَّيت أن تُعجِبْ شخصاً ما بشكل كاف ليشجعني. تمنيت القليل ونلت الكثير جداً وبشكل كان مرعباً مثل ذلك الموت السريع والرحيم الذي توقعت».‏

بعد هذه الرواية التي حصلت على جوائز وحوِّلت إلى فيلمٍ سينمائي نال جائزة الأوسكار, بدأت «هاربرلي» بكتابة رواية أخرى هي «الوداع الطويل» و لكنها هجرتها و بدأت بسواها لتتوقف غير راضية عما تكتبه وهي خائفة من موتٍ آخر يقويها إلى الفشل..‏

نتوقف لتقول: كثرٌ هم الأدباء الذين لم يقدموا خلال مسيرة حياتهم وسواء الطويلة أو القصيرة, إلا القليل من الأعمال التي منحتهم ورغم قهر الأسباب, الكثير من الشهرة و المال و المكانة, ما جعلهم ورغم قلة أعمالهم من مبدعي روائع الآداب العالمية..‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية