غير أن فوزها يمكن وصفه ب(فوز بالقوة) ولكن الأغلبية تبقى أغلبية.
في البداية, إنه انتصار لشخص يفتقر إلى الخلفية (الأمنية) على شخص ذي خلفية (أمنية) معروفة وتامة, لقد كان تركيز موفاز على كلمة (الأمن) في كل مناسبة, وكان يفعل ذلك في كل جملة يتفوه بها تقريباً, لقد صنع برنامج (لندن وكير شتنباوم) من هذا الموضوع حكاية ساخرة (الأمن ثم الأمن ثم الأمن ثم الأمن).
وهذا لم يكن كافياً, الجنرال قد هزم أمام امرأة ليس لديها أي ماض عسكري على الرغم من أنها خدمت 15 سنة في الموساد.
فهذا لا يعني بالطبع أن تسيبي ليفني لن تظهر كمن يصبو إلى الحروب, مثل اليزابيث الأولى, أو كاترينا الكبيرة, ومثل تاتشر ولكن الوقائع هي الوقائع, إن حزب كاديما هو من أحزاب المركز بكل ما في هذه الكلمة من معنى, إنه مركز المركز, أعضاؤه لامن اليمين ولا من اليسار المزعوم, ليس لديهم آراء قاطعة, لا لهذا الاتجاه ولا لذاك, هنا يمكن النظر إلى انتخابهم كتجسيد للمزاج العام الإسرائيلي.
لقد أظهر موفاز نفسه شخصاً يعارض السلام مع سورية, والسلام مع الفلسطينيين على حد سواء زعيم ينوي إقامة ائتلاف مع اليمين, حتى مع اليمين المتطرف, لقد كان الممثل المعلن للحرب التي لا نهاية لها.
في المقابل قدمت ليفني نفسها على أنها مرشحة تتطلع إلى السلام, تلك المرأة التي تدير المفاوضات مع الفلسطينيين, التي تفضل الدبلوماسية على الحرب, والتي تشير بالبنان إلى طريق لإنهاء الصراع.
إنه نوع من الرياء بالطبع, خداع للنظر ولم يكن هناك أي فرق بين الاثنين ولكن حتى إذا كان الأمر كذلك, فهذه ليست هي الحقيقة الهامة.
الحقيقة الواضحة هي أن جمهور كاديما هو الأكثر مركزية في الدولة, قد منح نصراً على الرغم من أنه نصر بأقلية قليلة لمرشحة تزعم أنها تمثل السلام.
في التاريخ العسكري, كانت الجيوش في المعارك الكلاسيكية في العصور القديمة تتأهب بحيث تكون القوة مركزة في المركز بينما تقوم القوات الثانوية بحماية الأطراف, كلما تمكن المركز من البقاء, كان كل شيء على ما يرام وقد اختار الاسرائيليون ليفني لهذا المركز.
الكل يتذكر الانتخابات التي جرت في أيار عام 1999 حيث أحرز ايهود باراك نصراً هائلاً على بنيامين نتنياهو (56,8% مقابل 43,92%) وهو فارق غير بسيط, ببساطة لقد سئم الجمهور نتنياهو.
في تلك الفترة سادت حالة من الفرح العارم أصيب الناس بدوار فرقصوا واحتضن بعضهم بعضاً, وتبادلوا القبل, مثل هذا الجو ساد في تل أبيب في المرة الأخيرة 1948 حين قررت الأمم المتحدة إقامة دولة يهودية ودولة عربية.
لقد وعد باراك بأن يكون رابين الثاني, وحتى بأكثر من ذلك لقد وعد بإحلال السلام مع الفلسطينيين خلال أشهر, كان يبدو المستقبل وردياً في الأفق (صباح يوم جديد) بعد سنة ونصف لم يبق أي من هذه الوعود.
بطل السلام هذا «باراك» قاد إلى أكبر كارثة إنسانية في تاريخ الطريق إلى السلام, لقد عاد من مؤتمر كامب ديفيد, الذي تم عقده بمبادرة منه, وهو يردد كلاماً تحول إلى قول مأثور (قلبت كل حجر على طريق السلام, اقترحت على الفلسطينيين شروطاً سخية لم يسبق لها مثيل, عرفات رفض كل شيء, ليس لدينا شريك لعملية السلام)..
بعشرين كلمة, هدم باراك معسكر السلام وبلور لدى الجمهور الإسرائيلي اعتقاداً لم ينجح حتى نتنياهو في خلق مثل هذا الاعتقاد. ليس ثمة احتمال للسلام, وأنه قد كتب علينا أن نواصل النزاع إلى الأبد بعد انتصار ليفني ,لم نلاحظ أي تحرك على صعيد الشارع, لم تتدفق الجماهير إلى الشوارع, لم ترقص, ولم تحتفل بعضها بعضاً ولم يتم تبادل القبلات.
ومع ذلك يجب أن نتوقع الكثير من السيدة التي تزعمت حزب كاديما, تساؤلات عديدة يمكن أن نطرحها.
هل هي قوية أم ضعيفة, مثابرة أم تخضع أمام الضغوط?
يمكن الإشارة فقط إلى الخلفية التي جاءت منها عشية الانتخابات في إطار إحدى المقابلات المحببة إلى وسائل الإعلام طرح عليها السؤال التالي: من هو بطلها? كانت اجابتها زئيف جيبوتنسكي.
ولو عدنا إلى تاريخ هذا الرجل والذي وصفه اعداؤه دائما وما أكثرهم وفي أكثر من مرة وموقف بأنه (الفاشي) لقد كان عنصرياً حسب قوالب القرن التاسع عشر.
كان من أهم المنظرين لأرض إسرائيل الكبرى, مجرد الاسم الذي أطلقه على حزبه في عشرينيات القرن الماضي كان يشهد على ذلك, لقد طالب بتعديل قرار البريطانيين في الفصل بين أرض إسرائيل الغربية وبين شرقي الأردن, لقد انشدت تسيبي ليفني هي أيضاً في حداثتها قصيدته المشهورة جداً:
(للأردن ضفتان - هذه لنا, وهذه أيضاً).
: