تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الخطر القادم من الجنوب!!

شؤون سياسية
الأحد 12/10/2008
محمد عبد الكريم مصطفى

لم يكد القرار الذي اتخذته بعض دول أميركا اللاتينية وطردها سفراء الولايات المتحدة الأميركية من أراضيها يصدر حتى وجدت الإدارة الأميركية نفسها أمام مخاطر من نوع جديد غير الذي اعتادت على مواجهته في السابق فلم يأت هذا الخطر من الجنوب اللبناني أو من جنوب العراق أو أفغانستان أو غيرها,

بينما جاء الخطر هذه المرة من الحديقة الخلفية للبيت الأبيض الأميركي ومن الزاوية الجنوبية التي كانت لعقود طويلة من الزمن تعتبرها أميركا البوابة الآمنة التي يجلس خلفها الحليف الذي يحمي ظهرها من الأعداء اليساريين الذين استطاعوا أن يُثبتوا أن لا أحد قادراً على شطب وجودهم الفاعل في تلك المنطقة حتى لو كان الدولة العظمى, وبعد أن تربع الرئيس جورج بوش على عرش أميركا لثماني سنوات مستمرة, وقلب خلالها العديد من المفاهيم والأسس التي بُنيت عليها السياسة الاستراتيجية الأميركية خلال تاريخها الحديث, حيث ضرب بذلك كل الأعراف والتقاليد التي كانت تتمترس خلفها الإدارات الأميركية, وعرّاها عن غير قصد من خلال الدخول المباشر في معارك وحروب غير محسوبة النتائج بدقة, بينما جاءت نتائجها عكس كل التوقعات والتكهنات التي صورتها له مجموعة الصقور التي تحيط به في البيت الأبيض وكانت هي من يصنع القرار الأميركي في هذه الحقبة, حتى اختلط عليها الممكن والمحظور مستنجدة بأهل العلم والدراية من المحاربين القدماء أمثال جيمس بيكر وغيره من سياسيي العهد القديم, وعلى الرغم من أهمية نصائحهم بقيت الادارة الأميركية متمسكة بسياستها حتى وقع الخطر, إنه خطر من نوع مختلف تحكمة الايديولوجيا والمصالح بآنٍ معاً لذلك يكون تأثيره أشمل وأعم, فيُمكن أن يطول الاقتصاد والهيبة السياسية والحياة الاجتماعية ويقلب المفاهيم في مجتمع بدأ يتحلل وينقسم على نفسه نتيجة التناقضات الكبيرة التي أخذت تظهر وتعبر عن ذاتها وربما تتحكم في المفاهيم العامة للمجتمع الأميركي, مع كل تلك التناقضات والانتكاسات وصلت إدارة الرئيس بوش إلى طريق مسدود أمام أي مكسب حقيقي لصالح الأمة الأميركية, حيث غدت المواقف الأميركية من السياسة العالمية ومن ضمنها رؤيتها لعلاقتها بجوارها من الجنوب عبئاً تتراكم أثقاله بما لا يُمكن أن يُطاق, ويتحمل أعباءه وتبعاته الرئيس بوش المنتهية ولايته بعد أشهر قليلة.‏

هذه المرة اجتاح الغضب الجزء الجنوبي من القارة الأميركية, وبدأت القضية تتفاقم حتى أخذت شكلها الصريح برفض أي تدخل من الإدارة الأميركية في شؤونها الداخلية, وذهبت أبعد من ذلك لتضع حداً لعذابات دول أميركا الجنوبية التي عانت طويلاً من تدخل الولايات المتحدة المباشر في مصير ومستقبل تلك البلدان, ضمن عملية ترويض قسري, نجحت في استثمارها هنا وفشلت هناك, حيث كانت الإدارة الأميركية تتدخل بثقلها السياسي والاقتصادي عندما يصل حاكم ما أو رئيس إلى سدة الرئاسة في أي من هذه البلدان وخاصة إذا لم تكن الإدارة الأميركية راضية عنه فكانت تُقيم الدنيا ولا تقعدها وتحرك عملاءها حتى تُطيح بهذا الحاكم وتستبدله مهما كانت شعبيته كبيرة وبغض النظر عن قدراته القيادية وأهليته للحكم, وكانت تختلق له ما يعرقل مسيرته لمجرد عصيانه الطاعة الأميركية, لكن الفشل الكبير الذي حصدته الإدارة الأميركية في فنزويلا إبان محاولات يائسة لإسقاط الرئيس «هوغو شافيز» المعروف عنه شعبيته الكبيرة, كان بمثابة الضربة التي قصمت ظهر البعير حيث انكشفت الألاعيب الأميركية وأساليب المراوغة التي كانت تتبعها من أجل زعزعة استقرار أنظمة هذه البلدان لإضعافها وضرب اقتصادياتها, على الرغم من غنى بلدان أميركا الجنوبية في العديد من الجوانب الاقتصادية وخاصة منها الغذائية, إضافة لامتلاكها مخزوناً نفطياً كبيراً, بينما كانت تجد نفسها دائماً في أزمة اقتصادية نتيجة ما تمارسه عليها الولايات المتحدة من ضغوط سياسية من جهة واستلاب لخيراتها الاقتصادية من جهة أخرى.‏

وبعد أن انتعشت قوى اليسار المتسلحة بإرادة شعبية واسعة وعبر تنفيذ أدوات ووسائل ديمقراطية حقيقية, تمكنت من الوصول إلى سدة الرئاسة في أغلب دول أميركا اللاتينية التي وجدت في تسلم اليسار الوطني للسلطة ملاذاً آمناً لمصالح شعوبها بعد أن ضاقت ذرعا بالمتاعب القادمة من البوابات الشمالية, وهذا ما أقلق الإدارة الأميركية ودفعها إلى محاولة اللعب على منوال الاستقرار الداخلي من خلال عملائها الذين لم يفقدوا الأمل في إعادة الاستيلاء على السلطة من جديد بدعم أميركي مباشر, وهنا وقعت الإدارة الأميركية في مطب نشر الفوضى من جديد, حيث وضعت نفسها ليس في الخندق المعادي للأنظمة الحاكمة في بلدان أميركا اللاتينية جميعها فحسب, بل كذلك في الصف المعادي لشعوب تلك البلدان إضافة إلى الشعوب الإسلامية. حيث يؤكد الرئيس البوليفي إيغورموراليس في مؤتمر صحفي في لاباز قائلاً: (إن قرار طرد السفير الأميركي يستجيب لنضال الشعوب من السكان الأصليين ليس في بوليفيا وحدها بل في كل أميركا اللاتينية.. التي قاتلت 500 سنة كل الإمبراطوريات..).‏

ويأتي تأييد الموقف البوليفي من بقية دول أميركا اللاتينة بعد اجتماع «أناسور» بعد مناقشة الأحداث الداخلية والاضطرابات الجارية فيها وتعرية الدور الأميركي المحرض لهذه الفوضى, تلبية لمناهضة شعبية ورسمية لسياسة إدارة الرئيس بوش التي ناصبت أغلب دول العالم العداء لأنها تتمسك بمصالحها الوطنية التي تعارض المصالح الأميركية, من منطلق من ليس مع أميركا فهو مع الإرهاب .‏

Email:m.a.mustafa@mail.sy‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية