فأنا من الجيل الذي عاش تلك المرحلة السياسية الهامة لهذا الزعيم الكبير.
لكن المسلسل استطاع أن يشدني من حلقاته الأولى, فتابعت حلقاته الواحدة والثلاثين, لسببين: أولهما الحبكة الدرامية الممتازة التي تشد المشاهد, وثانيهما المصداقية وتعمق المسلسل في تفاصيل حياة جمال عبد الناصر, قد لايعرفها كثيرون ممن عاشوا تلك المرحلة.
في الحلقات الأولى قام مجيد الخطيب (ابن المخرج باسل) بدور عبد الناصر في صغره.
ولقد لفت مجيد النظر بأدائه الجيد لدوره, وأثبت أنه يعد بالكثير في المستقبل بعد تألقه في أداء مرحلة طفولة عبد الناصر, كما كان قد تألق في أداء دور الشاعر نزار قباني في صغره.
وكان اختيار المخرج للممثل مجدي كامل للقيام بدور عبد الناصر في كبره موفقاً جداً, فقد كان وجه مجدي كامل شديد الشبه بوجه عبد الناصر, كما أن نبرات صوته كانت أيضاً قريبة جداً.
كذلك كان الممثلون الرئيسيون قريبي الشبه من الشخصيات التي مثلوها.
ومن الطبيعي أن يكون من المستحيل تقديم حياة عبد الناصر كاملة يوماً بيوم, من يوم ولادته إلى يوم رحيله.
لذلك اختار المؤلف يسري الجندي محطات هامة في حياة الزعيم الراحل, وأحسن اختيار هذه المحطات التي تعتبر مصيرية في حياة مصر والأمة العربية, وخاصة المراحل الأولى من ثورة الثالث والعشرين من تموز, قبل أن يتولى عبد الناصر رئاسة الجمهورية في مصر ومرحلة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956.
وهنا يؤخذ على الكاتب أنه أغفل ذكر الشهيد جول جمال الذي كانت عمليته الاستشهادية التي دمر بها البارجة الفرنسية (جان دارك) فعلاً مفصلياً في أحداث العدوان, خاصة أن جول جمال سوري. لكن الكاتب لم يفعّل موقف سورية الرائع في وقوفها مع مصر أثناء العدوان.
كذلك توقف المسلسل عند نقطة هامة وهي مؤتمر باندونغ الذي كرس جمال عبد الناصر كأحد زعماء حركة عدم الانحياز إلى جانب جواهر لان نهرو وجوزيف بروزتيتو.
وركز على اللقاء الهام بين عبد الناصر وتيتو في يوغسلافيا.
وهنا وقع خطأ حينما ذكر المذيع في الأخبار أن التلفزيونين العربي واليوغسلافي يصوران اللقاء. كان ذلك عام 1957 أو 1958. لكن التلفزيون في سورية ومصر بدءا معاً في الثالث والعشرين من تموز عام 1960, والكاميرات التي كانت تصور في المادة الأرشيفية هي كاميرات سينما.
وفيما عدا ذلك فقد أجاد المخرج باستخدام المواد الأرشيفية السينمائية أو التلفزيونية سواء في مؤتمر باندونغ أو العدوان الثلاثي, فقد حرص المخرج على عدم إظهار صور عبد الناصر عن قرب. حتى لاتحدث مقارنة في ذهن المشاهد بين الشخصية الحقيقية وشخصية الممثل, والمخرج أحسن صنعاً في ذلك, ولاسيما أن قسماً من المشاهدين شاهدوا عبد الناصر.
بصورة عامة قدم لنا باسل الخطيب مسلسلاً مفيداً وصادقاً عن حياة زعيم كبير في مرحلة حاسمة من تاريخ العرب الحديث.