بيد أن هذه السمعة للشاي والقهوة صارت قابلة للتعديل فعلياً، فليس صحيحاً – كما يشاع – أن سورية تستهلك نحو (1200 ) طن من المتة شهرياً، وإنما حسب معطيات المكتب المركزي للإحصاء فإن هذا الاستهلاك يكاد يصل إلى ألفي طن شهرياً، إذ تشير تلك المعطيات إلى أن سورية قد استوردت في عام 2010 كميات من المتة وصلت إلى ( 22 ) ألفاً و (174) طناً وهذا يعني أن الاستهلاك يصل إلى أكثر من 1800 طن شهرياً.
إن وصول حجم استيراد واستهلاك المتة إلى هذا المستوى يشكل بالتأكيد واقعاً جديداً من شأنه فرض هذه المادة كمشروب شعبي واسع النطاق يحتاج إلى نشاط اقتصادي وإنتاجي متميز لا يقل أهمية عن النشاط المترافق مع الشاي والقهوة، ففي عام 2010 أيضاً وصلت الكميات المستوردة من الشاي الأسود المخمر في عبوات إلى ( 29 ) ألفاً و (612) طناً أي ما يزيد عن المتة بكمية ( 7438 ) فقط، والمفاجأة الأكبر هي الفارق البسيط مع البن حيث كانت مستورداتنا من هذه المادة ( 22 ) ألفاً و (198) طناً في عام 2010 أيضاً، أي أن حجم مستورداتنا من هذه المادة لا يزيد عن حجم مستورداتنا من مادة المتة سوى (438) طناً على الرغم من الاستهلاك الذي يبدو ضخماً جداً للبن من خلال تعاطي القهوة في مختلف البيوت والمقاهي والمطاعم والفنادق وأماكن العمل في مختلف القطاعات، كما أن الشاي ليست بأقل من ذلك فهي تعتبر مشروباً مفرطاً في شعبيته لدرجة أن الدولة تقدم لشرائح المجتمع دعماً معروفاً لمادة الشاي.
وقد شكلت الأحداث الجارية في سورية حالياً – في بعض جوانبها البسيطة طبعاً – حالة اختبار عميقة لمدى حجم الطلب الشعبي على المتة، وقد نجم عن هذا الاختبار بأن الطلب شديد بالفعل فقد اختفت المتة بالكامل من محال الباعة والموزعين لأسباب لم نجزمها بعد، فالبعض يعيدها لأسباب أمنية، والبعض الآخر يربطها بالعقوبات الاقتصادية وصعوبة التحويلات، فيما ربطها آخرون بحالات احتكارية غير نظيفة، ومهما يكن السبب فإن هذا الغياب للمادة من أسواقها الطبيعية سرعان ما تشكلت سوق سوداء لمادة المتة، وراحت الأسعار فيها تتزايد بشكل خيالي حيث تدرّجت العلبة الواحدة من 25 أو 30 ليرة حتى وصلت إلى 500 ليرة ..!! وأعرف العديدين الذين اشتروها بهذا السعر فعلاً، وبعد أن توفرت بشكل جيد الآن استقر السعر من 50 إلى 90 ليرة حسب النوع، وهذا ما يُرجّح أن العملية كانت احتكارية أكثر مما هي أمنية أو عقابية.
على كل حال ومادامت المتة قد فازت بهذا الإقبال الشعبي الكبير عليها فإننا نرى على الجهات الرقابية والاقتصادية دراسة الموضوع جدياً ومعالجته بالشكل الممكن وتحييده ما أمكن عن الحالات الاحتكارية من خلال الضبط أولاً، ومن ثم التشجيع على المنافسة الشريفة في هذا المجال، فمن النادر أن نرى شركة جديدة تهتم بمثل هذا النشاط الذي يكاد يقتصر على بعض الشركات المعروفة المنفردة بالسوق، ولكن يبدو أن الأزمة التي مرت بها هذه المادة قد نبّهت بعض رجال الأعمال إلى أهمية التعاطي مع هذه المادة، إذ بدأنا نرى بعض الأنواع الجديدة بالسوق ما يشير إلى نشاط بدأ يتحرك في هذا المجال، وبشكل أوضح راح بعض رجال الأعمال بتأسيس شركات لتعبئة المتة، وقد عثرنا مؤخراً على قرار يشير إلى قيام رجل الأعمال السوري ( محمد سامي الحموي ) بتأسيس شركته الجديدة التي أسماها ( شركة المستقبل ) وحدد غايتها تحضير وتعبئة ( المتة ) آلياً والاتجار بها واستيراد وتصدير المواد المسموح بها والمتعلقة بغاية الشركة وكل ما يتعلق أو يتفرع عنها.
وقد قامت الجهات المختصة بالتصديق مؤخراً على النظام الأساسي لهذه الشركة إيذاناً بشهرها ومن ثم استكمال شروط بدء العمل قانوناً تحت ظل قانون الشركات، ولمدة خمسة عشر عاماً قابلة للتمديد على أن يكون مركز هذه الشركة في ريف دمشق، وقد أتاح لها قرار المصادقة تأسيس فروع بمختلف محافظات القطر وخارجه أيضاً .
المبادرة جيدة وفي محلها ولكن علنا نحتاج أكثر إلى تشجيع أكبر للإقدام على تأسيس مثل هذه الشركات التي من شأنها كسر حدّة الاحتكار وتخفيض الأسعار، وضمان استقرار وجود هذه المادة في السوق بعد اليوم.