|
برغوثهم بجمل فضائيات في الحلقة الماضية, استطاع فيصل قاسم تثمير التصادم, أو على الأقل هي إحدى المرات القليلة التي شاهدتها وخرجت فيها بانطباع عن ضرورة وجود مناطق ساخنة وخطوط تماس لتتواجه الأفكار والمواقف فيها, بصيغة تصارع أكثر منها صيغة حوار, أو الأصح, في صيغة تحدٍ يفضح أكثر مما يخفي ويظهر أكثر مما يحجب. هل تستطيعين التشكيك بالمحرقة اليهودية? هل يمكنك أن تقولي إن هناك مبالغة في أعداد الضحايا اليهود ولو بشخص واحد? وهل يمكنك أن تديني الاعتداءات الاسرائيلية على المدنيين الفلسطينيين? وماذا تقولين في نحو مليون ونصف المليون عراقي ضحايا الاحتلال الأمريكي لبلدهم? أسئلة من هذا النوع وجهها فيصل قاسم لضيفة برنامجه الأمريكية وفاء سلطان التي انغمست في الهجوم على الاسلام والمسلمين, أوالأصح انغمست في التهجم على نص مقدس متذرعة بالعقل تارة والتحضر تارة أخرى, ولم تجب عن أي سؤال يتعلق بالوقائع وأبعد من ذلك, استنتجت أن الشعب الاسرائيلي محب للسلام ويسعى إليه!! بل إن (سلطان) خرجت عن طورها في مواجهة باحث إسلامي لتنعته بالهمجية تارة والوقاحة تارة أخرى, كأنها نسيت كلمة العقل التي حشرتها حشراً في سياق حديثها لتسوغ الجرائم المنظمة ضد شعوب بأكملها, وأوغلت في إظهار فاشيتها ونازيتها لتضع الاسلام والمسلمين ونصوصهم المقدسة في سلة واحدة, سلة الهمجية المباح دمها وللتطاول في طريقها حتى على التاريخ. لو أن سلطان وقفت في وجه تسييس الدين مثلاً, أي دين, ولو أنها اعتبرته شأناً شخصياً وانتقدت تدخله في شؤون السياسة, لأمكننا الاستماع إليها, أما أن تقسم العالم الى أديان رئيسة (الاسلام والمسيحية واليهودية), وتصب جام نازيتها على المسلمين, فذلك يسقط غشاوة العقل التي تحتمي بها ويسقطها في العهر الفكري الذي على ما يبدو يشكل رديفاً للعهر السياسي الأمريكي. كنا نتمنى على قاسم أن يذكر ضيفته بما حملته الحضارة العربية لأوروبا, بفلسفة اليونان التي حفظتها من الضياع وزادت عليها لتؤسس للعصور الحديثة, بأفيروس اليوناني, أي ابن رشد, في أزمنه كان فيها أجداد أمريكا يعيشون في الظلام. لا أدري أي تاريخ درسته د. وفاء سلطان, ولا أدري أي منهج عقلي تتبناه, لكنها بالتأكيد تقسم البشر على الطريقة الأمريكية, بشر يتمتعون بكل الحقوق, إذا وخزت أحدهم شوكة, فتلك جريمة كبرى, وبشر ليسوا ببشر, عليهم أن يتحملوا تقطيع أوصالهم دون أن يمتلكوا حتى حق الصراخ. نعلم أن التقنية الأمريكية تراجعت عن الحدود الحضارية والانسانية للثورات الأوروبية وعادت لتأجيج صراعات القرون الوسطى في أبشع صورها, وأكثر من ذلك, واضح أن السياسات الأمريكية تصاغ على أساس بتر العمق الحضاري والتاريخي للأفكار التنويرية, معتقدة أن القوة العارمة والوحشية قادرة على صياغة مستقبل العالم متناسية أن الحرب سياسة عابرة وأن القوة بلا قيم هي عملية إفناء متبادل لا جدوى منها, بل وتستنزف القوي قبل الضعيف وتعد بانهياره. شكراً فيصل قاسم لأنك أسقطت في حلقتك غشاوة العقل الأمريكي وقدمت لنا نازيته وفاشيته على طبق من ذهب, لأنك أثبت لنا أن برغوثهم بجمل, ولأن ما لم يقل أخطر بكثير مما قيل. أما ردود الأفعال على حلقتك وعلى القناة فأعتقد أنها ذلك الجزء الذي يجب أن نتوقف عنده وأن نخرجه من حيز المسكوت عنه الى المعلن, وأكثر من ذلك, يجب أن نعتبره تمريناً جيداً لخوض غمار المعارك الفكرية في الساحات الساخنة مع الآخرين, لنقول لهم إننا نستطيع مواجهتكم ومواجهة أنفسنا بقوة الوقائع والمنطق وأنكم على خطوط التماس الحضارية أنتم مجرد همج مزودين بالتقنية.
|