وأشرقت بمجامع اللطافة, فحوت من السقاة كل غصن تشتاق من ورده قطافة, وتدخل حرم أمنه لتأمين المخافة, وهي متعددة المحاسن, فمنها الخالي من الأنهار, الجامع للأقمار, ومنها المشتمل على الأنهار, ماؤها العذب غير آسن. وما ألطف كاساتها إذا حملتها أكف سقاتها, فقل بدور تحمل نجوماً, فتكون لمن ضل هدى , وللشياطين رجوماً, ولله در من قال حاكياً ما يرى من ذلك الحال:
لله محكم قهوة تجلى لنا في أبيض الصيني طاب شرابها
فكأنما هي مقلةٌ مكحولةٌ ودخانها من فوقها أهدابها
وأما عمارتها بذوي الإيناس, والظرفاء واللطفاء, لأمر خارج عن القياس. يميل إليه كل بسام, وينفرعنه كل عباس, وأما إذا أدبرت الغزالة, وجر الليل أذياله, فإنك ترى بها من نجوم القناديل شباكاً وأطواقاً, تصيد قلوب ذوي الشجن فلا يستطيعون فكاكاً ولا فراقاً. ولولا خشية التطويل ومخافة الإغراء لكل ذي قلب سامع, لقلت وأنا أستغفر الله إنها بذلك القطر أعمر من الجوامع. وليت شعري من ذاق مرارة النوى , وقاده سلطان المحبة والهوى , وسمح له الدهر باجتلاء هاتيك الشموس المشرقة في حاناتها, وهي تدور بمذاب المسك في كاساتها, فسوادها كلف البدور, وما خلا بأعلى الفناجين كهالاتها, ولعمري إن من ظفر بذلك المطلوب غير ملام في شرع الهوى ولا معتوب. وبالقد قيل:
باكر إلى القهوة مسكية فضحت بكر المدام وشنف لي الفناجينا
تدعو إلى نحو ما فيه البقاء ولو دعت إلى نحو ما فيه الفناجينا
لو أن ألف امرىء طافوا بحانتها قصد النجاة رأيت الألف ناجينا
يا ربة الحسن حلينا حماك فإن نطلب فجودي وإن نسأل فناجينا
هذا وأما حكمها الشرعي فالحل, ولا حرمة ولا كراهية...