ومنذ صدور قرار المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث العربي الاشتراكي بتبني اقتصاد السوق الاجتماعي كتبت وكتب كثيرون عن مفهوم اقتصاد السوق الاجتماعي والآليات الأنجع لتطبيقه بمالايؤدي إلى حدوث خلل اقتصادي واجتماعي غير جائز على الإطلاق.
ومع تقديري لكل ماطرح وكل ماكتب لم نصل إلى رؤية واحدة واضحة ومفهوم محدد لاقتصاد السوق الاجتماعي وآلياته ولن يتم ذلك إلا إذا قدمت الحكومة رؤيتها المتكاملة لذلك وعرضتها على كافة المؤسسات المعنية في الدولة لمناقشتها وإقرارها وفق الأصول الدستورية والتشريعية .
وهنا أود أن أعبر عن خشيتي من هؤلاء المتحمسين (المستعجلين) لإقتصاد السوق الذي هو في أساسه يعود للفكر الحر الرأسمالي,هؤلاء الذين يرون في العولمة التي هي الرأسمالية المتوحشة بعينها قدراً لامفرمنه..!!.
وقبل أن أخوض في مداخلتي هذه أود أن أثبت رأيي بأن التسرع بالسير نحو اقتصاد السوق بالشكل المطروح سيؤدي حتماً إلى خلل اقتصادي واجتماعي كبيرين ولندرك جميعاً أن مايطلب منا باسم العولمة ومتطلباتها لن يكون من حيث النتيجة لمصلحة بلدنا وشعبنا فالدول الغنية وحدها هي المستفيدة من فتح أبواب اقتصاد السوق دون مراعاة ظروف وواقع البلدان الفقيرة والبلدان محدودة الموارد.
أعود إلى مداخلة الأستاذ حصرية لأبين مايلي:
1-إن القول بأن في اقتصاد السوق ثمة مبادىء أساسية أهمها هو أن للقطاع الخاص الدور الأساسي في الاقتصاد الوطني والاستثمار والوظيفة الرئيسية للأجهزة الحكومية هي تسهيل هذا الدور صحيح من الناحية النظرية كونه من الفكر الحر الرأسمالي وغير مقبول لجهة تعارضه مع نظامنا السياسي والاقتصادي فالدور الأساسي مازال حتى الآن للقطاع العام الذي يجب أن نحافظ عليه ونطوره ونعالج مشاكله ونذلل عثراته فهو الضمانة الأكيدة لسلامة الاقتصاد والبنيان السياسي لبلدنا,ويأتي دور القطاع الخاص داعماً ومكملاً وليس بديلا.
2-أسأل الأستاذ حصرية ليوضح فيما إذا كان يعتبر إصدار قرارات تعطي الحماية للقطاع العام أمراً غير مناسب وماهي تلك القرارات?!.
3-أما فيمايتعلق بالدعم فإنني أؤكد مرة أخرى أن التخلي عنه وطرح بدائل أخرى سيؤدي إلى ارتباك اقتصادي واجتماعي كبير في ظل عدم وجود سيطرة حقيقية للدولة على الأسواق والأسعار وفي ظل عدم قدرة الدولة على رفع الأجور إلى المستوى الذي يغطي الحد الأدنى لتكاليف المعيشة.
4-إن تجارب بعض الدول الشقيقة في الإصلاح أدت إلى نتائج غير مرغوبة مما إضطرها إلى عدم المضي في برنامج الإصلاح وإعادة النظر فيه بما ينسجم مع الواقع والمصالح الوطنية العليا ولايعني ذلك أنها تراخت في عملية الإصلاح بل على العكس أعتقد أنها تسرعت في بعض جوانبه كالمضي في الخصخصة بشكل لايحقق المصلحة الكلية لاقتصادها الوطني.
5-يتحدث الأستاذ حصرية عن الإفصاح والشفافية في اقتصاد السوق وكأن القائمين عليه هم من جنس الملائكة وأعتقد أن واقع الحال لن يؤدي إلى تحقيق مايتمناه.
6-لايجوز بحال من الأحوال الفصل بين الاجتماعي والاقتصادي فالعلاقة بينهما عضوية بغض النظر عن الفكر الاقتصادي الذي نؤمن به رأسمالي أم إشتراكي فالدول الرأسمالية التي انتهجت اقتصاد السوق لم تحقق استقرارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي إلا بتطبيق سياسات متوازنة للأجور وأنظمة الضمان الاجتماعي والصحي الشاملة ووجود نقابات فاعلة وقوية للعمال وبالطبع استطاعت تحقيق ذلك بسبب التراكمات الرأسمالية الكبيرة الموجودة لديها والموارد الضخمة التي تؤمنها.
كل ذلك يدعو إلى ضرورة الاستمرار في التدرج الهادىء المدروس للانتقال إلى اقتصاد السوق وأعتقد جازماً أن القفزة ستؤدي إلى نتائج سيئة غير مرغوبة خاصة في هذه المرحلة بالذات في ظل أوضاع إقليمية ودولية معقدة للغاية وفي هذه الحال سنكون قد دفعنا بأنفسنا إلى الصدمة التي ستغرقنا في المجهول...