ما هي الأخبار التي تستحق أن يضفى الطابع الإنساني عليها? في خضم الصراع والتنافس الإعلامي وتحقيق السبق الصحفي بين المحطات الفضائية, تتجه الكثير منها إلى تغيير سياستها الإعلامية وفق أجندة معينة تحقق شعبية وجاذبية, وتقترب أكثر من الناس بحيث تكيف الوقائع والأحداث اليومية وفقا لخطها ومتطلبات المعلن, اذ شكل الاعلام المرئي في السنوات الماضية صلة الوصل بين البشر جميعا, ناقلا الأحداث المؤلمة من مناطق بعيدة ليجعلنا نتضامن معها, متوجها إلى مواضيع اجتماعية وإنسانية ليحولها إلى قصص مشوقة وجذابة يسهل على الجمهور تقبلها ومشاهدتها, وحتى كبريات الصحف العالمية اتبعت اسلوب التشويق في عرض اخبارها والصورة تتوضح أكثر في أخبار الكوارث والفيضانات و الزلازل والعمليات الإرهابية.
تحول وفاة محمد الماغوط إلى حدث استثنائي تصدر قائمة الأخبار السياسية و الاقتصادية و الثقافيةلا بل أنه شكل الخبر الرئيسي على نشرات الأخبار,في سابقة جديدة في الإعلام السوري وخاصة المرئي منه,لم نكن شاهدنا مثله في السابق.هذه المرة خرج من رسميته المعهودة في خطوة تضاف إلى رصيده الجماهيري بعد أن كان يخسر في كل جولة وحدث,إذ جرت العادة في التلفزيون السوري الرسمي أن تكون الأولوية للأخبار السياسية المحلية, فنادرا ما نشاهد خبرا اجتماعيا أو اقتصاديا أو ثقافيا في أجندته الإعلامية إلا في حالات استثنائية أو أحداث مهمة على الصعيد المحلي والعربي كموت صاحب (الفرح ليس مهنتي,وسياف الزهور)...فمنذ تأسيسه لم يكن غياب الشخصيات الفكرية والثقافية على الساحة السورية يشكل مادة دسمة أو حتى خبراً رئيسياً بل كان يجري تهميشهم وتغييبهم إعلاميا.إن تعامل إدارة التلفزيون مع وفاة الماغوط بهذا التقدير والاهتمام وخاصة في نشرة الأخبار وعلى الفضائية تضمن توجهات جديدة في استراتيجية التلفزيون,وتحولا مهما على الصعيد الإعلامي و المحلي الذي ظل لسنوات طويلة يحتفظ برتابته وسياسته المحكمة.بيد أن الوضع اختلف فيما بعد وخاصة في الفيضانات التي ضربت الحسكة و راح نتيجتها ضحايا كثر وخسائر مادية قدرت بالملايين وبدل أن تشكل مادة رئيسية وأولية للتلفزيون بسبب ضخامة آثارها الإنسانية والاقتصادية اهملت إلى درجة غير أننا لم نعثر عليها على شاشتنا ولكننا في الوقت ذاته رأينا فيضانات جاكرتا أكثر من مرة في نشرات الأخبار و على شكل تقارير,دون أن نفهم سبب التهميش لهذا الحدث الإنساني المحلي.مع العلم أن هناك أولويات لأحداث معينة يكون الخبر العالمي فيها أكثر أهمية من الخبر المحلي باستثناء الأحداث المهمة كتلك الفيضانات وحوادث الطرق التي تحصد أحيانا المئات من البشر وهي كثيرة في سورية.