من دون أدنى شك, لن يكون مسؤولو التلفزيون قساة, إلى الحد الذي يمكن أن يطردوا فيه موظفيهم السابقين (هذا إذا لم يتعد تصورنا إلى المسؤولين أنفسهم) أو أن يوزعوا بعضهم على المؤسسات الاستهلاكية, أو فروع الاتحاد العربي للحديد والصلب, والبعض الآخر على فروع اتحاد الكتاب العرب. وطبعاً, لن تكون هناك لا قسوة ولا من يحزنون, لأن هذا التغيير مجرد افتراض, لثقتنا الكبيرة بعدم قدرة أحد على تحريك أحد آخر على أرض الواقع.
يقدم رئيس كتاب مصر, الروائي جمال الغيطاني, برنامجاً حوارياً اسمه (تجليات مصرية) على القناة المصرية (دريم 2), ويقدم الصحفي وائل الأبراشي برنامجاً أيضاً على القناة نفسها. ولا أحد يتابع البرنامجين, إلا ويعترف بالسوية الجيدة للأفكار المطروحة فيهما. والسبب في ذلك أنهم في تلك القناة يدركون أن للمعرفة دوراً مهماً في تطوير العمل الإعلامي, وهذا بالتأكيد ما لا يناسب تلفزيوننا السوري, إذ لا نجد اسماً لامعاً في عالم الأدب أو الفن يقدم برنامجاً مشهوراً أو ناجحاً. ويكتفي التلفزيون بصدم مشاهديه بمقدمي برامج ظرفاء جداً وطيبين جداً ومحبين إلى أبعد الحدود, وأصحاب واجب, ويتمتعون بكل الصفات الحميدة والرائعة, ولكنهم يتعثرون بأحرف الجر, ولا يهمهم التفريق بين الاسم والخبر, ولا تعنيهم المعلومة الدقيقة, بالقدر نفسه الذي لا يعنيهم إن تطور الإعلام السوري أم أن وصل إلى وضعه الحالي, على أيديهم طبعاً.
من الذي يقدم برنامجاً لدينا, ويحمل هاجس التغيير, أو الارتقاء بالوضع الإعلامي?
بالتأكيد, لم يكن لدينا يوماً (مع استثناءات قليلة) من تعنيه الثقافة أو الفن أو الحياة الاجتماعية, وعمل برنامجاً شكره الناس عليه; ومع ذلك نرى جميع من يعمل في هذا التلفزيون المسكين, يتمسك بيديه وأسنانه, ببرامج لا معنى لها, وهم يدركون أنهم الوحيدون الذين يشاهدونها. وإن حصل وقدم أحدنا نقداً في برنامج ما (وهو بالطبع لا يستاهل النقد أبداً, لعدم توفر عناصر البرنامج فيه) تهجم مقدمته (أو مقدمه) وكأنها تتقاسم مع أوبرا وينفري, الوقت على قنوات العالم, بل وتتفوق عليها أيضاً.
لا يمكن الحديث عن أي تغيير في التلفزيون السوري, لذلك سنبقى نتمتع برؤية مذيعينا وبنكاتهم الحلوة وأفكارهم الرائعة, إلى أن يذهبوا بأنفسهم إلى مكان آخر, أو أن تتعطف علينا قناة ما وتطلب استضافتهم جميعاً لديها والعمل عندها كطاقم كامل; عندها سنفتقدهم وسنعدهم بأن نتابعهم على القناة المضيفة, ولكننا حينها لن نكون مجبرين.