حيث بدت الخلافات والاختلافات والاحترابات واضحة ومتدحرجة على وقع انزياحات متوقعة خلال الأيام القليلة القادمة التي تسبق قمة ثلاثية للدول الضامنة لاتفاقات آستنة وسوتشي في 16 من الشهر الجاري.
المنجز الأهم كان خلال الأيام القليلة الماضية والذي تمثل باستعادة الجيش العربي السوري لعشرات القرى والبلدات في أرياف حماة وإدلب واللاذقية، وصولاً نحو التطور الأهم وهو تحرير بلدة خان شيخون وما بعدها حتى التمانعة الاستراتيجية التي شكل تطهيرها من قبل الجيش كسراً للخطوط الأمامية للإرهابيين.
على المقلب الآخر بدا الانهيار المعنوي والسياسي واضحاً عند النظام التركي الذي حاول لفت الأنظار عن انتكاساته وإخفاقاته بمزيد من الخداع والتزييف محاولاً إشاعة الأخبار عن تحقيق انتصارات سياسية في جبهات أخرى، ولا سيما أكذوبة (اتفاق المنطقة الآمنة) مع الولايات المتحدة الأميركية التي تشاركه وتقاسمه خيباته وهزائمه، إلا أن الصفعة الأقوى لنظام أردوغان والتي حملت دلالات سياسية بالغة التأثير السلبي على الأخير، تمثلت بقطع الطريق على أرتال جنود الاحتلال التركي على مشارف خان شيخون، ومن ثم بعزل نقطة المراقبة التركية التاسعة عن محيطها بالكامل، وصولاً إلى مشهد إحراق صور أردوغان منذ يومين على يد متظاهرين مؤيدين له في ريف إدلب.
في المعطى العام لمنظومة الإرهاب، ولا سيما الولايات المتحدة يبدو الإرباك عنواناً بارزاً للسياسة الأميركية التي ذهبت بعيداً في أهوائها وطموحاتها الاستعمارية بعدما أشيع عن تحقيق تقدم في ملف ما سمي بـ (المنطقة الآمنة) بين واشنطن وأنقرة، وهو استثمار خاسر في المشهد السياسي لكلا الطرفين (انقرة وواشنطن) لأنه لا يزال خارج سياق الإرادة السورية وبعيداً عن الاتفاقات والاستحقاقات المبرمة بين موسكو من جهة وبين نظام أردوغان من جهة أخرى، وخاصة أن الاتفاق بآليات تنفيذه لا يزال غامضاً ومبهماً وبلا تفاصيل ما يجعله محكوماً بالفشل في أي لحظة والأهم أنه قد يكون وقوداً جديداً لإشعال الخلاف مجدداً بين الأميركي والتركي.
وضمن هذا السياق جدد النظام التركي في محاولة منه لتسويق مزاعم (المساعي) في تنفيذ بنود اتفاق سوتشي، جدد رغبته فيما اسماه بـ (التطبيق الحرفي) للاتفاق، بحسب ما جاء على لسان المتحدث باسم النظام التركي ابراهيم قالن، الذي زعم أن أردوغان (أبلغ هذه الرسالة) إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، خلال زيارته الأخيرة إلى روسيا، مضيفاً أن رؤساء تركيا وإيران وروسيا سيعقدون قمة ثلاثية في أنقرة في 16 أيلول الجاري، ضمن صيغة اجتماعات آستنة، وهو الأمر الذي يشرع الأبواب مجدداً عن مزاعم وأكاذيب أنقرة في تنفيذ الاتفاق، والأكثر من ذلك فإن هذه التصريحات تضعها مجدداً في دائرة الاختبار والمصداقية التي لا تزال غائبة عن سياسة أردوغان.
في السياق الميداني الذي يجسد ملامح مهمة لعناوين المشهد بشكل عام، ولا سيما بحوامله وقواعده التي تجذرت عميقاً بانتصارات الجيش العربي السوري قبل وقف إطلاق النار حيث تمكن من استعادة السيطرة على عدد من البلدات والقرى والمزارع والتلال بريف إدلب الجنوبي والجنوبي الشرقي بعد القضاء على آخر تجمعات الإرهابيين فيها، وبحسب مصدر عسكري فقد تمكن الجيش من السيطرة على الخوين الكبير وتل غبار والسكيات وتل سكيات والتمانعة وتل تركي وتل السيد علي وتل السيد جعفر ومزارع التمانعة الغربية والشرقية وذلك بعد دك معاقل التنظيمات الإرهابية ودحرها من مناطق تمركزها وتكبيدها خسائر فادحة في المعدات والأفراد، كما استعادت وحدات الجيش السيطرة منذ أيام على مدينة خان شيخون الاستراتيجية بريف إدلب الجنوبي إضافة إلى بلدات اللطامنة وكفر زيتا ولطمين ومورك ومعركبة واللحايا بريف حماة الشمالي وذلك بعد القضاء على آخر فلول الإرهابيين فيها.
وهذا التحرك السريع للجيش العربي السوري كان قد شكل مفاجأة للإرهابيين الذين تحصنوا في سراقب التي من المتوقع أن تكون هدفاً مقبلاً للجيش إذا ما فشل إطلاق النار نظراً إلى أهميتها على اعتبار أنه يوجد فيها مقرات ومخازن رئيسة للإرهابيين ناهيك عن أنها تعتبر أي مدينة سراقب درع الإرهابيين في إدلب وهي عقدة مواصلات بين أطراف ريف إدلب، وبالتالي فإن سيطرة الجيش عليها لاحقاً سيعني تقدمه إلى قريتي بنش وسرمين وبالتالي استعادة الفوعة وكفريا، عدا عن ذلك فإن سيطرة الجيش على محور خان شيخون - معرة النعمان - سراقب سيقطع أوصال الإرهابيين وسيسمح للجيش بالسيطرة على مثلث الطرق الدولية: حلب - اللاذقية، حلب - دمشق، وكان الجيش تمكن من إحباط هجوم شنته الجماعات الإرهابية بقيادة تنظيمي (جبهة النصرة) و(حراس الدين) الإرهابيين باتجاه محور أبو دالي في ريف إدلب الجنوبي الشرقي، وكبد المسلحين عشرات القتلى والجرحى.
قرار دمشق كان ولا يزال واضحاً وحاسماً في محاربة الإرهاب وسحقه ودحره من كل ذرة من تراب هذا الوطن الطاهر، وبالتالي فإن الحل الوحيد أمام الأطراف الداعمة للإرهاب، وتحديداً الولايات المتحدة والنظام التركي هو بمواجهة الحقيقة ومقاربة الواقع بشكل مسؤول ومنطقي، فالميدان بحوامله وقواعده المتجذرة في عمق المشهد بات أكبر من كل محاولات العبث بعناوينه، ولا سيما مع تصدع وانهيار المشروع الأميركي ليس في سورية فحسب، بل في المنطقة بشكل عام.