حيث وجه الشعراء المشاركون في مهرجان «ربيع الثقافة الفلسطينية» في باريس عام 1997 (ومنهم: محمود درويش وفدوى طوقان وعز الدين المناصرة) نداءً لمدير عام اليونسكو آنذاك، بعنوان «الشعر روح الإنسانية، الشعر جسد العالم» وطالبوا بضرورة تسمية يوم عالمي للشعر.
قديماً كان الشعر ديوان العرب, وكانت القبيلة تحتفل بولادة شاعر من بنيها, ولربما كان العرب من أكثر الشعوب التي كتبت الشعر- طبعاً هذا مجرد قول لا يستند إلى أية أرقام أو إحصائيات- كان الشعر فيما بينهم رسولاً ومعلّماً وواعظاً. لم يكن حالة جمالية كما أعتقد, بل كان ضرورة, فقد غلبت عليه أغراض الشعر الشهيرة من وقوف على الأطلال إلى الفخر والحماسة إلى الرثاء والغزل وتخليد البطولات إلى الحكمة, ولعل الشعر الأندلسي- وهذا أيضاً مجرد إحساس خاص بي- كان أول حالة شعرية تطرق باب الجماليات.
كان لكل قبيلة شاعر يُعرف بنسبها إليه, كالنابغة الذبياني وعنترة العبسي وغيرهما.. كان الشاعر الناطق الإعلامي باسم القبيلة والمدافع عنها ضد الأعداء إعلامياً, مع ما كان للهجاء والمديح والفخر من موقع عالي الأهمية بين العرب, وما كان لبيت الشعر من قوةٍ في التأثير. ولطالما دقَّ الشعراء أبواب الحكّام طلباً للعطايا والمناصب, فليس هذا بجديد في دنيا العرب وغير العرب أيضاً!
في يومه العالمي لا يبدو الشعر بصحة جيدة, إذ فقد كثيراً من وزنه النوعي والمعنوي, ومن قدرته على التأثير في الجمهور, وكما كل أنواع الكلمة المكتوبة التي تنازلت مرغمة عن عرشها أمام كل وسائل التواصل الاجتماعي, رغم أنها- أي الكلمة المكتوبة= هي الأداة الرئيسة فيها جميعاً.
تغيّر العالم.. وتغيّر الشعراء.. وهكذا تغيّر الشعر.. والغريب أن المعارك بين صنوف القصيدة مازالت مستمرة دون الخلوص إلى اعترافات متبادلة فيما بينها.
الشعر وابنته القصيدة مازالا أنصع من كل الشعراء.. وأمام طوفان العنف والدم مازالت القصيدة ممكنة ما يعني أنها طوق نجاة البشر!
القصيدة أكبر وأجمل من كل أشكالها.. والشكل ليس أكثر من إطار لها نختاره كلٌّ حسب وجهة متعته وذائقته الجمالية.
القصيدة: ما يمنحك إحساساً بأن أجنحة كبيرة قد نبتت على كتف المعنى, إنها ما يغريك بالظن بأنك قادر على الإمساك بها, وحين تكاد تلمسها تطير مثل ضوء يتخلل أصابع روحك..
هي أن تقف عاجزاً أمام سحرها الذي مسَّ قلبك كريشةٍ لتقول فقط: الله!
القصيدة الجميلة لا تعرف بحراً أو وزناً أو قافيةً أو تفعيلة أو نثراً إنها كل هذا شرط أن تحملك إلى مكان غير الذي تقف فيه, أو تصير الأرض تحتك بحراً.. أو يصير البيت بجدرانه حديقة أو غابةً!
القصيدة كيمياء اللغة وعلى الشاعر أن يكون كيميائياً يجيد دفع الكلمات إلى خلق حالة تفاعل غير مسبوق, ليُنتج في النهاية معدناً جديداً لم يكن معروفاً!
في يومه العالمي سيكون الشعر حزيناً أيضاً أمام هذه اللوحة القاتمة على مساحة الأرض, وسيحاول كل يومٍ أن يزرع بذرة جديدة في أرض البشر عسى يصبح الشجر لغة العالم بدلاً من لغة الحرائق.
كل عام والقصيدة بضوء.. ولون.. وأجنحة.
suzan_ib@yahoo.com