وبحسب المركز الأميركي الذي يعد واحدا من أهمّ المؤسسات الخاصة التي تعنى بقطاع الاستخبارات، والذي تطلق عليه الصحافة الأمريكية اسم «وكالة المخابرات المركزية في الظل»، أو الوجه المخصخص لـ سي آي إيه، باعتبار أن معظم خبراء مركز ستراتفور ضباط وموظفون سابقون في الاستخبارات الأمريكية، فإنه على الرغم من الدعوات لتعاون كبير بين دول الاتحاد الأوروبي في أعقاب الهجمات الإرهابية التي ضربت عدة عواصم أوروبية، إلا أن المصالح المحلية لبعض الدول الأعضاء ستخيم على هذه الدعوات على المدى البعيد، مما يقلل إمكانية التكامل بين دول الاتحاد فيما يتعلق بالأمور الأمنية.
ووفق المركز الأميركي فإن الاتحاد الأوروبي يواجه كثيرًا من عقبات تأسيس شبكة أمن موحدة، وإحدى هذه العقبات، أن الأعضاء الثمانية والعشرين لديهم أولويات مختلفة، وموارد، ومستويات خبرة مختلفة، فعندما يتعلق الأمر بمحاربة الجريمة الدولية والإرهاب، فلدى دول كبيرة مثل فرنسا، والمملكة المتحدة، وألمانيا خبرة كبيرة في مكافحة الإرهاب، وكذلك موارد بشرية ومادية للإبقاء على وكالات مكافحة الإرهاب والاستخبارات المعقدة. أما بالنسبة للدول الأصغر، وذات الخبرات والميزانيات الأقل، أو حتى الأقل خلال الأزمات الاقتصادية فإن هذا لا ينطبق عليها، لذا فعلى هذه الدول الأصغر أن توازن في تمويل أجهزة أمنها ضد العجز المالي المسيطر عليها.
وبالإضافة إلى أن مشاكل الميزانيات -التي تمثل تحديًا لمعظم وكالات الأمن في العالم- فإن أعضاء الاتحاد الأوروبي أيضًا في صراع مع الطبيعة البيئية، حيث إن شعوبهم تتحرك بحرية بين الدول، وحتى الآن لم تقم استخبارات الحكومات بأي شيء في هذا الصدد، فيما قد عبرت العديد من حكومات الاتحاد الأوروبي في الساعات والأيام التي أعقبت هجمات بروكسل عن أنه يتوجب على الدول الأعضاء مشاركة معلومات أكثر عن التهديدات الأمنية المحتملة، كما فعلوا في أعقاب هجمات باريس. في حين صرح وزير الداخلية الألماني «توماس دي ميزير» إن حكومات الاتحاد الأوروبي لا تريد مشاركة كل ما لديها من معلومات مع نظائرهم في الاتحاد، بالإضافة إلى تلويحه بأن الاتحاد الأوروبي والحكومات المحلية تجزئ البيانات التجارية.
وقد أبرزت حقيقية إلقاء القبض على أحد الانتحاريين في التفجير البلجيكي في تركيا وترحيله إلى هولندا، -حيث أطلق سراحه حالة الفشل في التنسيق بين دول الاتحاد، كما أن مشكلات الترجمة بين حكومات الاتحاد الأوروبي وحدها قد فاقمت هذه الأزمة، فاستخدام دول الاتحاد الأوروبي أنظمة مختلفة لكتابة الأسماء العربية، أدى إلى أخطاء كتابية كثيرة.
وأضاف ستراتفور أنه ظاهريًّا، يعتبر تعزيز عمليات مشاركة المعلومات الاستخباراتية بين الدول ذات أهمية كبيرة، في قارة بالفعل يُسمح فيها بتداول البضائع وانتقال الأفراد والخدمات بحرية من بلد لأخرى، لذا فإن التبادل الحر للمعلومات هو خطوة منطقية. ورغم أن الدول الأعضاء لديها مرونة للتخلي عن السيادة في أمور مثل التجارة والعمل، لكن لديها مشكلة في تقديم تنازلات بخصوص الأمور الأكثر حساسية مثل الأمن القومي. وتُعرف معاهدات الاتحاد الأوروبي هذا الأمر، حيث تشرح لماذا يصوت على المشكلات المتعلقة بالاتحاد النقدي أو منطقة التجارة الحرة الأغلبية المستحقة للتصويت، بينما في شؤون الأمن أو مشكلات السياسة الخارجية يتم اتخاذ القرار فيها بالإجماع؛ مما يعطي حق «الفيتو» لكل عضو.
وأشار إلى أن هناك حجة بأن التهديدات العالمية بداية من الإرهاب حتى التنافس التجاري تحتاج إلى استجابة عالمية، في حين أن الاتحاد الأوروبي وصل إلى نقطة سيتطلب فيها المزيد من الاندماج بين دول الاتحاد التخلي عن الامتيازات الشائكة بين الدول، وبينما تتفاقم الأزمة إلى أبعد من المشكلات الأمنية فأعضاء الاتحاد يكافحون من أجل إنشاء نظام يُعاد فيه توزيع ثروات أوروبا الشمالية على الجنوب، وكذلك تتخلى فيه الدول الأعضاء عن التحكم في السياسة النقدية، وبما أن الاتحاد الأوروبي من غير المحتمل أن يتحول إلى «الولايات الأوروبية المتحدة»، وأن القارة من غير المحتمل أيضًا أن يكون لديها مكتب أوروبي فيدرالي للاستخبارات، فان الاتحاد العسكري سيكون بمفرده. (فمعظم أعضاء الاتحاد الأوروبي مشاركون في حلف شمال الأطلسي «الناتو»، لكن هذه القوات لا تقارن بما قد ينتج من اندماج قواتهم العسكرية المحلية لتصبح قوة عسكرية للاتحاد. وفي سبيل إنشاء هياكل على مستوى القارة فإن ذلك يتطلب تغيير المعاهدة، وهذا القرار الذي من شأنه أن يرفع المشاعر القومية في أوروبا من المستبعد أن تتخذه الدول الأعضاء.
وخلص المركز الأميركي إلى أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لديهم الكثير والكثير من الصعوبات التي ستواجه أي استجابات متماسكة.