وصارأقرب الينا أكثر مما تصورنا، هو أمامنا ووراءنا، على مائدتنا، وفي جلساتنا، نهاراً وليلاً، على الشاشات، في عيوننا وأرواحنا.ومانراه أمام أعيننا يومياً من عنف سواء على الفضائيات -والتي احترف بعضها القتل والموت وإراقة الدماء وقطع الرؤوس -أو على صفحات الصحف والمجلات المقروءة، وماتتداوله مواقع الانترنت، يؤكد أن العنف أصبح يحاصرنا من كل جهة، وبالرغم من هذا كله فإن السلام حقيقة ممكنة ويقال إن الحرب ليست بالضرورة بيولوجية بل هي بدعة اجتماعية.!!
ففي عام 1986 اجتمع فريق دولي من المتخصصين فى العلوم المختلفة بمدينة أشبيلية الإسبانية بناء على مبادرة من اللجنة الوطنية الإسبانية المنبثقة عن منظمة اليونسكو، وتوصلوا الى بيان يحتوى على اقتراحات فندوا فيها عددا من النتائج البيولوجية المزعومة التى استغلت لتبرير العنف والحروب. وقد حظى البيان باهتمام كبير خلال المؤتمر العالمي الثاني بشأن«العنف والتعايش بين البشر» والذى عقد بمدينة مونتريال الكندية فى يوليو 1992. وملخص الاقتراحات ـ كما نشرتها مجلة اليونسكو بعددها الصادر فى فبراير 1993 وأهمها :
(1) ليس صحيحا من الوجهة العلمية القول إننا قد توارثنا النزعة الى الحرب من الطبيعة الحيوانية. فرغم أن القتال يحدث على نطاق واسع بين أنواع الحيوانات، لكنها حالات قليلة جدا من القتال الضاري بين الجماعات المنظمة فى داخل هذه الأنواع، كما أن أيا من هذه الحالات لم ينطو على استخدام أدوات صممت لتكون بمثابة أسلحة.
(2) من غير الصحيح من الوجهة العلمية القول إن الحرب أوغيرها من السلوكيات الأخرى المتسمة بالعنف متأصلة على نحو متوارث داخل طبيعتنا البشرية. وفى حين أن الجينات تؤثر على وظيفة النظام العصبي بجميع مستوياته، فإنها تتيح إمكانية متطورة لا تتحقق إلا على نحو مشترك مع المناخ البيئي والاجتماعي، ولا تؤدي الجينات، سوى فى حالات مرضية نادرة، إلى خلق أفراد يميلون الى العنف.
(3) ليس من الصحيح علمياً القول بأن للبشر «عقلية تميل الى العنف».ففي حين إننا نملك الجهاز العصبي الذى يتيح لنا التصرف بعنف، إلا أن هذا الجهاز لا يتحرك تلقائياً بتأثير منبهات داخلية أو خارجية، بل إن العمليات العصبية العليا التى تجرى فى داخل جسمنا تنقى هذه المثيرات قبل أن تحدث أثرها، ويتحدد شكل التصرف في التكيف والتنشئة الاجتماعية. وليس ثمة شيء فى وظائفنا العصبية يدفعنا الى الاستجابة لمؤثر ما على نحو من العنف.
(4) ليس من الصحيح علميا القول إن أسباب الحرب «غريزية»، أو أنها تنشأ عن أى محرك بمفرده، فظهور الحروب الحديثة كان بمثابة انتقال من إعطاء الأولوية للعوامل العاطفية والمحركة، التى يطلق عليها اسم «الغرائز» فى بعض الأحيان، إلى تغليب العوامل الإدراكية. وتنطوي الحرب على الاستخدام المؤسسي للسمات الشخصية كالطاعة، وسهولة التأثر بالإيحاء، أو بأفكار الآخرين، والمثالية.. إلخ. إن الجنس البشري الذى اخترع الحرب، وشجع العنف، هو ذاته القادر على استحداث السلام. والمسؤولية تقع على عاتق كل الجميع.
عذرا منكم أيها الفريق السلمي فالعنف هو العنف، مهما أُلقيتم عليه من مواصفات تبرر ما ينجم عنه من مآس وخراب. العنف يظل هو العنف مهما نُسجتم حوله من نظريات تنتصر له و لضحاياه في آن. العنف يقضي على «الحقيقة»ولا يساهم «في إنهاضها».العنف مستهجن حتى ضد العنف. العنف لا وازع له، مهما كان حقيقياً او «عادلاً»العنف يحتقر الانسان والانسانية، يؤلم منظر البيت المهدوم مثلما يؤلم ويُبكي مشهد الاطفال المقتولين. العنف يدمرالبيوت ،والبيوت في مجتمعاتنا حياة، البيت ليس من حجر، هو من ذكريات ومشاعر نبيلة، من أبوّة وامومة وبنوّة. يولد المرء في بيته ويعيش فيه ويموت فيه. لا عالم لنا إن لم تكن لنا بيوتنا. علاقتنا بمن حولنا لا تبدأ إلا من عتبة هذا البيت. ماضينا لا يمكن توضيبه إلا في خزانة البيت، تحت السقف. وبعد كل هذا الموت والخراب يأتيك عنف جديد عنف رمزي طبعاً او مجازي، مؤذٍ وإن كان لا يُسيل الدم ولا يهدم أو يُخرّب، عنف الميديا الحديثة، عنف الآلة التي بدأت تلغي إنسانية الانسان، عنف التكنولوجيا، عنف الصورة والانترنت، عنف الحداثة التي لا يمكن تصور المآل الذي قد تؤول اليه،العنف سلوك غير سوي نظرا للقوة المستخدمة فيه والتي تنشر المخاوف والأضرار التي تترك أثرا مؤلما على الأفراد في النواحي الاجتماعية والنفسية والاقتصادية التي يصعب علاجها في وقت قصير ، ومن ثم فإنه يدمر أمن الأفراد وآمان المجتمع .ولكن وبعد كل هذا العنف والموت والوجع،ربما يكون السلام وطوبى لصانعي السلام.