تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


المونديال الروسي

إضاءات
الثلاثاء 10-7 -2018
سعد القاسم

ومونديال روسيا يصل إلى محطاته الأخيرة سألت ببراءة: ماذا حل بالتهديدات الغربية عن مقاطعة المونديال بحجة موقف روسيا من الأزمتين الأوكرانية والسورية،

مستعيدة مقاطعة الألعاب الأولمبية الصيفية في موسكو عام 1980، بحجة التدخل السوفيتي في أفغانستان؟.‏

في واقع الأمر لم يكن السبب الذي دفع الأميركيين إلى إجبار عددٍ كبيرٍ من دول العالم على مقاطعة الألعاب الأولمبية في موسكو مطلع الثمانينيات هو ما أُعلن عنه، أي إرسال الاتحاد السوفيتي قوات عسكرية إلى أفغانستان لمساعدتها في قتالها ضد الجماعات المسلحة الموجهة والمدعومة والممولة من الغرب، فكذبة تعاطف الغرب مع الشعب الأفغاني، وسواه، عرتها الحرب التي شنها الغرب ذاته بعد سنوات قليلة، على أفغانستان ذاتها، حيث ما تزال قواته الغازية تحتل أجزاءً من هذا البلد المنكوب، دون أن يؤثر ذلك على أي مناسبة رياضية لاحقة. لكن السبب الحقيقي للمقاطعة يكمن في التحضيرات المميزة التي أنجزها السوفييت لأجل الأولمبياد، والتي كانت ستقدم للعالم صورة عن بلدهم تتناقض كلياً مع الصورة التي يروجها عنه الإعلام الغربي وأتباعه. فالمناسبات الرياضية الكبرى تُشكّل مناسبة للدول المستضيفة لتقديم نفسها إعلامياً، ويسعى الغرب بالمقابل لحرمانها من هذه الفرصة بشتى الوسائل، فإن لم يستطع سعى لتشويه صورة الإنجاز، والبلد، ومن الحالات الأكثر شهرة إحاطته أولمبياد بكين عام 2008 بحملة دعائية هائلة ضد الصين، ثم تركيز التغطية الإعلامية في مونديال جنوب إفريقيا قبل السابق (2010) على الآلة الموسيقية الافريقية التقليدية (الفوفوزيلا) مفرطاً في الحديث عما تسببه من إزعاج للاعبين والحكام والجمهور!!.. متجاهلاً كلياً ما حققته تلك الدولة المتحررة حديثاً من نظام الفصل العنصري. أو في استباقه الألعاب الشتوية في (سوتشي) عام 2014 بتقارير إعلامية مطولة تطالب بإلغاء تلك الألعاب بحجة قانون صدر في روسيا يمنع الترويج الإعلامي للعلاقات الجنسية المثلية بين المراهقين!! وأخيراً، وليس آخراً، ترويجه المبالغ به خلال المونديال السابق لاعتراض بعض البرازيليين على تكلفته المالية، متجاهلاً كلياً حماسة السواد الأعظم من البرازيليين لحدث وثيق الصلة بثقافتهم وصورتهم لدى الآخرين، يقام على أرضهم.‏

إذاً لماذا لم يقاطع الغرب مونديال موسكو فأفسح الفرصة للروس ليقدموا أنفسهم بأعلى درجات الأناقة والجمال ودقة التنظيم، إلى الحد الذي دعا الرئيس الأميركي ( ترامب) ليصرح إلى الصحفيين: ب« إن روسيا كبلد منظم للبطولة، تقوم بعمل رائع»؟. والجواب يكمن في قوة نفوذ كرة القدم، ولست أعني شعبية اللعبة، وإنما طبيعتها الاحترافية، و اتحادها العالمي المتشابك المصالح مع مؤسسات ذات نفوذ عالمي. فمنذ أن بدأ البث التلفزيوني الفضائي حظيت كرة القدم فيه بمكانة خاصة بسبب شعبيتها الواسعة، التي لم تتح توجيه الاهتمام لسواها، فقد كانت هناك محاولات لاستثمار هذه الإمكانية الإعلامية الهائلة في الترويج للعبة التنس بين المشاهدين كبديل عن كرة القدم عبر نقل كل بطولاتها وتسليط الضوء على لاعبيها، وحتى تخصيص قنوات تلفزيونية حصرية لها، غير أن ذلك كله لم ينجح في زحزحة كرة القدم عن مكانتها الجماهيرية فعادت الفضائيات لتركز اهتمامها على مباريات كرة القدم ، وبطولاتها الإقليمية والقارية والعالمية وفي مقدمتها كأس العالم، والتقط اتحاد كرة القدم العالمي (الفيفا) الحالة فبدأ ببيع حق نقل المباريات إلى الشبكات التلفزيونية التي تدفع أكثر، وتحول حق النقل هذا إلى حق حصري للقنوات التي تقدم العرض الأعلى فارتفع ثمن البث بشكل خيالي، وارتفعت معه أرباح الاتحاد (وهو منظمة غير ربحية) من بضعة ملايين دولار إلى بضعة مليارات في عقد واحد، وكانت النتيجة أن صار عشاق اللعبة الشعبية الأولى في العالم مضطرين لدفع ما لم يكونوا يدفعونه لمشاهدة لعبتهم المفضلة. ولم يجد مدير إقليمي لشبكة تلفزيونية نالت حق البث الحصري لمباريات كأس العالم 2006 في البلاد العربية حرجاً بالقول « ان على الشعوب العربية تقبل ثقافة جديدة. وأنه عليها دفع ثمن ما تحب مشاهدته».‏

هذا الحديث عن الدفع مقابل المشاهدة لم يكن ما أوحي به عند بدء بيع حقوق بث المباريات، على اعتبار أن شبكات التلفزيون ستحقق أرباحها من الواردات الهائلة للإعلانات التجارية. ولكن بعد أن آل الأمر إلى ما هو عليه اليوم ُطرح السؤال عن مدى انسجام الواقع الجديد مع مسؤولية الاتحاد العالمي لكرة القدم عن انتشار اللعبة وتنامي شعبيتها، وقد فقدت في العام الأول للمشاهدة المدفوعة الأجر عشرات الملايين من عشاقها على امتداد العالم بفعل العبء المالي الذي لا يحتمله الكثير منهم، لكن الجواب جاء من هؤلاء العشاق الذين تحملوا العبء،واحتالوا على قوانين البث، وفي كل الأحوال بقيت ال(فيفا) هي الرابح الأكبر، وصاحب النفوذ المتنامي،بحيث تنهي لاعباً نجماً إن هو اعترض على اللعب في عز الظهيرة لأنه الوقت الذي يفضله المشاهد الأوربي..أو تمنع دولاً من مقاطعة الأولمبياد بأي حجة كانت..‏

www.facebook.com/saad.alkassem

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية