والعالم كله الآن وهو يتابع وقائع الصراع يعرف أن الإرهاب وداعميه إلى زوال وأن الوطن السوري ذاهب الى إنجاز عهده ووعده بتحرير الأرض والإنسان من الإرهاب وبسيطرة الإرادة الوطنية السورية على مقدرات الصراع وعلى كل ما يمكن أن يؤدي إلى اللحظة التي يستعيد فيها الوطن ذاته ويستعد للبدء بمرحلة نوعية جديدة أساسها يتجسد في اتجاهات ثلاثة..
أما الأول فهو أن الحفاظ على النصر هو جزء عضوي من النصر ذاته بل هو الجزء الأخطر والأكثر حساسية في مجمل مناخات الصراع وهذه مسألة حساسة للغاية، ذلك أن ثمن النصر كان غالياً ومقدسا ومرتفعاً والشهداء والشهادة معاً ووعي الشعب وصبر المجتمع وفوق هذا وذاك حكمة وإبداع تمثلت في النموذج الأعلى لقيادة الرئيس القائد بشار الأسد، والوعد الغالي والثمن الأغلى ليس مجرد حالة تاريخية إنما هي حالة تأسيسية تستوعب كل ما كان بمرارته وحلاوته وتتجه إلى ما يجب أن يكون بناء على معيارية الشهادة والشهداء، وهنا في هذا الاتجاه لن تكون سورية العربية بعد النصر المبين كما كانت عليه الحال في مرحلة الأحداث القاسية من أولها إلى آخرها ومن أهدافها إلى مساراتها ومآلاتها في نهاية الأمر.
إن الحفاظ على النصر لا يستوعبه إلا الذين قادوا هذا النصر وخاضوا معاركه وتمثلوا قيمه، وهذا يعني أن أول العناوين للحفاظ على هذا النصر في وطننا هو ترسيخ قوة الشعب وتغذية مطالبه وتطلعاته وتسديد حاجات الوطن والمواطن وذلك كله مستمد من عمق الصراع المصيري والتاريخي، ومن هذا الباب نجد أن معيارية القيم وأنماط السلوك وكيفية التعاطي مع الإدارة والقيادة لابد أن تكتسب جذوتها وقيمها وأولوياتها من خلال هذا العطاء التاريخي الذي قدمه وطننا على مدى هذه السنوات العجاف.
إن هذا المدى محكوم بقانون التاريخ وقد أخذت به كل الأمم التي ضحت وتصدت للموت والدمار ثم انتصرت، ولن نكون في سورية اتجاهاً مخالفاً للحقيقة التاريخية هذه، ولهذا المسار الذي يكمل ولا يتوقف، يبدع ولا يتكرر، يستنهض من الدماء الزكية ومن آلام العائلات ومن بؤس الحالة المعيشية نسقاً ليس غريباً عن مجتمعنا ولا يمكن التفريط به، فالصراع مستمر وإذا كان قد أخذ صيغة المعارك العسكرية النوعية إلى أن استقر على النصر فإنه لا يحق لأحد بعد ذلك أن يستغل لحظات النصر وأن يتهافت مؤكداً أنه شريك في الشهادة، وبالتالي فإن ثمار النصر لابد أن تكون بين يديه وتحت تصرفه. ومعروف أن فرسان ما بعد المعركة كثيرون وأن آباء النصر بالادعاء أكثر وهؤلاء مسلحون بالمال وبخبرة الاحتيال وبالبحث عن الوسائل الجديدة التي تعيد للنمط القديم نشاطه المخرب في بنية الدولة والمجتمع، والذين صنعوا النصر هم عظماء وبسطاء والشهداء منهم لم يبحثوا قط عن مكسب أن منصب لأبنائهم.. ومن هنا تأتي الخشية من أن ينقض الفاسدون والمستغلون والصامتون والذين تلطوا بأسباب لا يعرفها إلا الشيطان. إن أخطر المعارك هي التي تتلو لحظات النصر مباشرة، والنشوة تنتج آفاقاً عاطفية مفعمة بالترهل والثغرات، ومن هنا كانت ضرورة الصحوة في عمق المعارك وفي احتدام الصراع كي نستشرف جميعاً الاوضاع التي لابد أن تحكمنا ونحكمها بناء على مواعيد العطاء الكبرى التي قدمها جيشنا وقواتنا المسلحة وأمننا بصورة عامة، ونفتقد جميعاً بأن هذه المهمة تحتاج إلى مستويات من القادة تتمثل قيم وسلوك الوطن وقائد الوطن الرئيس بشار الأسد، وتمتلك إشعاعات العقل وصحو الوجدان وخبرة العمل ومشروعية إدارة اوضاع الوطن كما يريدها شعبنا وتاريخنا المعاصر.
وفي الاتجاه الثاني لابد أن تتكرس منهجية البحث عن العبر والدروس التي تخلقت في جوف الصراع، إذ ما كان كل هذا المشوار من التضحيات والإبداع في الرد والردع ومقاومة عدو جهزت له الدنيا بأسرها مصادر الجريمة الكبرى التي اعتقد الآخرون أنها لن تنتج سوى تدمير الوطن السوري، ولن تتوقف عند حال، وهنا يظهر مستوى الحكمة والدروس المستفادة، وأولها الربط العضوي ما بين التضحيات المقدسة وأمانة الحكم ومسؤولية بناء الوطن بعد الخروج من نفق العتمة والظلم والظلام.
إن العالم كل العالم يدرسنا الآن فكيف لا ندرس ذاتنا وهي الاساس في صياغة مسار الألم ومآل الانتصار على الجريمة والمجرم، وهذا المدى هو الذي يعطينا المبرر والحق في أن نعيد بناء الإنسان قبل بناء المؤسسات وأن ننتج ثقافة وإعلاماً وعادات وتقاليد كلها مستمدة من الشهادة وتصب في المعنى العام لقدسية الشهادة. إن المشوار الماضي قبل الأحداث وضعنا أمام واقعنا ولولا أن شعبنا بوعيه وتضحياته وثوابته أنجز هذا المشوار الذي شارف على تحقيق النصر النهائي، لولا ذلك كله لكنا جميعا أسرى للحظات الغثيان وضبابية الخيارات حائرين في التوجه من جدار إلى جدار ومن معتد إلى معتد ولكان ذلك هو الهدف الذي خططت له قوى الاستعمار والارهاب، لن يجدي بعد هذا المدى أن نستأنف حياتنا بإيقاع نمطي وأن نبرر سلوكنا بالوصف والمدح والإشادات والإشارات العابرة.
إن مرحلة ما بعد النصر هي البدء بالعمل والإبداع والحركة النوعية وإنجاز فكرة القدوة والمثل الصالح في كل حياة ونماذج شعبنا، ويبقى الاتجاه الثالث هو الاكثر صعوبة لأنه يتصل بصياغة قواعد العمل الرسمي والاجتماعي على أسس جديدة وأن يتم في الخط الموازي صياغة النسق القانوني والدستوري وما يتصل من أنظمة في كل موقع من حياتنا الحكومية والحزبية والشعبية، وفي كل مناخات الحياة، وهنا تتأكد الفكرة الكبرى من أن التحولات الكبرى في التاريخ لابد أن تحاط ببنية فوقية فيها الفكر وفيها القانون وفيها الثقافة وفيها الاعلام، ذلك كله لابد أن يوازي بل يتحد مع البنية الأم التي أنجزها شعبنا بمعدلات تاريخية قل نظيرها في هذا العصر المتخبط، وفي المحصلة فإن انتصاراتنا عبر التضحيات المقدسة أعطتنا هذا الحق في أن نعتنق عنواناً جديداً يؤكد أن سورية العربية وهي خزان الحضارة والسلام والانتصارات لابد أن تكون الآن منصة صياغة العالم الجديد.