المـعـادلات الســيـاسـيـة والـجـغـــرافـية المـيــدانـيـة
دراســــات الثلاثاء 10-7 -2018 بقلم د: فايز عز الدين بدأت الأزمة في سورية تحت مسمّى الربيع من أخطر عقد التشابك الإقليمي، والدولي فيما يعني أنها لم تكن داخلية تسببت فيها ضروب تراجع الديمقراطية،
أو حقوق الإنسان كما تم الادعاء في الميديا الدولية التي استثمرت لهذا الهدف اللّا وطني بالأساس حيث اكتشفت جماهير الشعب في سورية أن ما يتطلب حضوره في شكل النظام السياسي الجديد لن يأتي بمصالح الشعب أو باحتياجاته الديمقراطية، والحقوقية بمقدار ما يتوجه نحو إثارة الحرب الأهلية تحت صيغ من أبشع صيغ التمزيق الديني المذهبي وبدون وصول الحالة السورية إلى الحرب المذهبية المتطلع إليها أمروصهيونياً لن تتم حماية كيان العنصرية والاستيطان وتمرير مشروعه من الفرات إلى النيل، كذلك لا يمكن تحقيق معادلة الشرق الأوسط الجديد والكبير في خارطة التقسيم، والتفتيت، والتقاسم للمنطقة المسماة (الشرق الأوسط).
ومن هنا تغايرت الأهداف، وسقطت المصطلحات التي استخدمت، وتحوّلت القوى الإقليمية المتحالفة ضد سورية، والداعمة للحرب الإرهابية عليها إلى جبهات متخالفة الأهداف، والرؤى حيث من يدّعي أن الوهّابيّة هي الطريق المفضّل، إلى من ادّعى أن الاخوانية هي الطريق الأكثر تفضيلاً، ورغم أن الكل المتحالف على سورية بما فيهم إسرائيل كانوا متوافقين على تدميرها، وتفتيت الجغرافيا البشرية فيها، ولو باستخدام مجرمي الأرض من السجون، وشوارع البؤس المعيشي حتى تكون الجنة مأواهم، إلا أن استراتيجية لما يمكن أن تكون عليه سورية بعد التدمير لم تبرز إلى الوجود، والشعب لم يرَ من ضروب التحوّل نحو الديمقراطية، وحقوق الإنسان سوى المحاكم الشرعية، وقطع الرؤوس، وسبي النساء، وبيعهم كما تباع السّوائم، وهذا الحال قد نبّه المواطن السوري إلى أن يُفتّش -حقيقة- عن مصيره الذي لم يقدم له سوى المزيد من الموت، والقتل، والتدمير.
وهنا برزت المعادلة السياسية الصريحة التي تشير إلى أن الدولة التي اتّهموها بالتراجع في قضايا الديمقراطية، وحقوق الإنسان بقيت دولة للحياة، ولمزيد من التأمل، والطموح، بينما ما يميّز الشكل الحوكمي الجديد على صورة فرض سلطة الله على الأرض هو الموت. فالباقون على حماية الحياة أرحم كثيراً من القادمين بالموت، وهنا صار التحوّل النفسي، والثقافي شيئاً فشيئاً يُبدّد الظّلام الذي اجتهدوا لكي يغلّف قلوب الناس، وعقولهم، ليدخلهم في عصر يعود بهم إلى ظلام العصور السحيقة حين كان الإنسان يموت بالجملة ولأسباب لا تليق بما حدّدته أديان الله السماوية. وهنا كان النصر السياسي، والوطني الأول للشعب، ودولته، وجيشه البطل. والمعادلة الثانية أن التشابك الإقليمي في التحضير للحرب الإرهابية على سورية تسبب لاحقاً بالاشتباك بين القوى الإقليمية التي تعهدت للحلف الأمروصهيوني بتدمير سورية الدولة، والشعب، والجيش بصورة خاصة لأن الجيش العربي السوري هو الجيش الذي وقف وما زال يقف في حماية الثوابت الوطنية، والقومية، وإفشال المشاريع الغربية منذ كامب ديفيد في سبعينات القرن الماضي حتى اليوم. وقد انعكس هذا الحال في صيغة الاعتماد للمعارضات. فمرّة تركيا أردوغان هي المعتمد الأول لهم، ومرّة سعودية آل سعود، ومرّة قطر، والجميع يقرّون بضمان المصالح الصهيونية لكيان العدوان حتى كشف الجميع عن وجوههم بفظاعة لم يألفها الشعب في سورية حين صارت الشخصيات المعارضة تظهر على قنوات التلفزة الصهيونية، وتزور كيان العدوان، وتعطيه الوعود بعد نصرهم أنهم لن يحرّكوا قضية الجولان إلا بما يخدم المشروع الصهيوني. وهنا جاء النصر الثاني للدولة الوطنية السورية، دولة الحياة، والثوابت القومية العليا، ودولة السيادة، والقرار الوطني المستقل. وتحت هذه الحالة دخلت المسألة السورية في المعادلة الثالثة أن الحرب الإرهابية التي عمل حلف العدوان على سورية لتسعيرها داخل سورية كان لا بد للدولة التي ما زالت تملك الشرعية، والقوة المادية لحماية هذه الشرعية السيادية من أن تواجه الحرب الإرهابية عليها، وفي المواجهة تنفرز القوى الداخلية الحليفة للدولة الشرعية، والقوى غير الحليفة ليتضح بأقصر زمن أن الشعب برمته وراء دولته في مواجهة الإرهاب، وسقطت بسرعة الأقنعة الزائفة التي تم إخفاء الوجه القذر للإرهاب عبرها. وعليه فقد بزغت شمس المعادلة الرابعة بأن الجيش المنتصر في معاركه الداخلية على الإرهاب صار يمثل أهم العوامل في خلق تصدّعات هامة في الحلف الإقليمي الذي يدعم الإرهاب في سورية، وكذلك في السند الدولي الأمروصهيوني أوروبي له، وبدأ الكباش بين آل سعود، وحكام قطر، وطارت رؤوس حامية عندهم كانت متحمّسة لتدمير سورية خدمة لإسرائيل، ولتصفية القضية الفلسطينية لاحقاً. والمعادلة الأكثر أهمية أن الدولة المنتصرة في حربها على الإرهاب بداخلها، والقادرة على مواجهة التحالف الأمرو أورو صهيوني عليها لا بد أن تستقطب الحلفاء الدوليين الذين تجمعها تحالف معهم المصالح المشتركة، والأخطار المشتركة، والعدو المشترك، فظهرت إلى الوجود جبهة (سورية، روسيا، إيران، حزب الله، ومن بقي على منهج المقاومة من الحركة الوطنية الفلسطينية)، وبناء عليه أصبحت جبهة مقاومة الإرهاب أقوى من حلف مساندته، ودعمه، وأصبح الاحتكام للميدان هو الذي يحدد السياسة. فظهرت القرارات الأممية بخصوص الحل السياسي في سورية، وعقدت المؤتمرات من جنيف إلى استنة وصولاً إلى سوتشي وعينت الأمم المتحدة مبعوثيها وصولاً إلى دي مستورا. وفي هذا الحال صار الجيش يتقدم مع حلفائه ويقضي على الإرهاب حتى وصلنا اليوم إلى مشارف إنهائه في الجنوب الذي عوّلت على الإرهاب فيه أميركا، وإسرائيل، وممالك الرمال ووصلنا إلى معادلات دولية جديدة للتعامل مع الدولة السورية، والاعتراف بها، والتفتيش عن دبلوماسية جديدة للتعامل معها، وسيكون لقاء القمة بين الرئيسين (بوتين وترامب) المنتظر بداية مهمة لإخراج الحل السياسي السيادي والوطني الذي ترضى عنه جماهير بلدنا لكونها هي التي ستحدده، والأصدقاء الروس يتبنّون له، والجغرافية الميدانية التي فرضها الجيش البطل مع حلفائه هي المحدد الأساس في أي شكل من أشكال الحل الوطني على صيغة إذا الشعب يوماً أراد الحياة.
|