تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


شاعر الشام خليل مردم ومعترك النضال الوطني

ملحق ثقافي
2018/7/10
سلام الفاضل

يعد خليل مردم علماً بارزاً من أعلام الشعر في عصر النهضة، ومناضلاً وطنياً وقف قلمه في سبيل حرية بلاده وأمته، ومعلماً ومفكراً جاداً، وباحثاً وصل الليل بالنهار في خدمة اللغة العربية، وتدقيقها والعناية بها.

قال فيه نزار قباني: “إنه لمن نعمة الله عليّ وعلى شعري معاً، أن معلم الأدب الأول الذي تتلمذت له، كان شاعراً من أرق شعراء الشام وأعذبهم”.‏

والكتاب الشهري لليافعة (شاعر الشام خليل مردم)، تأليف: سيف الدين القنطار، والصادر مؤخراً ضمن سلسلة “أعلام ومبدعون” عن الهيئة العامة السورية للكتاب، يتناول بين دفتيه الحديث عن هذا الشاعر الفذ، والأديب الكبير.‏

المولد والنشأة‏

ولد خليل مردم في مدينة دمشق عام 1895 لأب من أسرة عريقة، بدأ دراسته في مدرسة الملك الظاهر الابتدائية، وعُني منذ نعومة أظفاره بالشعر والنثر، وما كاد خليل يبلغ الخامسة عشرة من عمره حتى فقد أباه، ثم فقد أمه بعد أربع سنوات، فتألم لهذا الفقد، الذي أثّر عميقاً في طباعه. تابع الشاب دراسته وتتلمذ في دراسة الأدب، والنحو، والصرف، وعلم الفقه، والحديث على يد علماء دمشق في مجالس العلم والثقافة آنذاك، ونهل من التراث العربي القديم، وقرأ دواوين كبار الشعراء.‏

في معترك النضال الوطني‏

ما إن قامت الحرب العالمية الأولى، وانتشر لهيبها في وطننا العربي، حتى وجد الشاعر نفسه في لجة الصراع الدامي بين العرب والأتراك، فعبر من خلال أشعاره عن موقفه الوطني الذي نادى لحرب الأتراك في سبيل استقلال البلاد العربية، والخلاص من الاستبداد العثماني، وهلل للثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين. وحين بلغ خليل مردم الثالثة والعشرين من العمر تخلصت سورية من حكم الأتراك، ودخل شاعرنا الجيش العربي وعلى رأسه فيصل بن الحسين، وعُين حينها مدققاً لديوان الرسائل، فظهرت موهبته في حسن اختيار اللغة، وتعززت صلاته مع كثير من الشخصيات العربية، وبقي في عمله هذا حتى نهاية عام 1919.‏

في تموز عام 1920 حين دخل غورو دمشق بعد معركة ميسلون ترك الخليل وظيفته لكراهيته الاحتلال، وانصرف إلى كتابة الشعر الوطني، داعياً أبناء أمته إلى جمع الشمل، محذراً إياهم من سعي الفرنسيين إلى استخدام الدين وسيلة لبث الوقيعة فيما بينهم، مصرحاً بعدائه الشديد لمن يتظاهرون بالتدين.‏

الرابطة الأدبية والمجمع العلمي اللغوي‏

تجاوزت شهرة خليل مردم حدود بلاده وأصبح معروفاً في البلاد العربية جميعها، وتناقلت الصحف والمجلات اللبنانية، والعربية وغيرها قصائده، وسعى حينها إلى إنشاء “رابطة أدبية” في دمشق على غرار “الرابطة القلمية” في نيويورك. وتمكن مع عدد من الشعراء والأدباء من تحقيق الحلم.‏

في التاسع من كانون الثاني عام 1925 ومكافأة له على جهوده في الشعر، والنثر، والبحث، والتحقيق، انتخبه المجمع العلمي العربي بدمشق والذي أسس في عام 1919 للنهوض باللغة العربية، وحمايتها، انتخبه عضواً فيه، وكان الخليل يبلغ من العمر آنذاك ثلاثين عاماً.‏

الشاعر المطارد‏

طاردت السلطات الفرنسية خليل مردم نتيجة كتاباته، وأشعاره الوطنية، ومواقفه وسعت إلى اعتقاله فهرب إلى قرية (المروج) في لبنان، بعدها هرب عام 1927 إلى مدينة الإسكندرية، ليقرر بعدها السفر إلى إنكلترا، والانتساب إلى جامعة لندن.‏

في عام 1929 عاد الشاعر إلى وطنه بعد أن صدر عفو عنه وعن إخوانه، وأخذ يدرّس الأدب في الكلية العلمية الوطنية على مدى تسع سنوات، حرص خلالها الشاعر على نشر الدروس التي كان يلقيها عن أبرز شعراء أمته وأدبائها في كتب تحت عنوان (أئمة الأدب). كما أصدر إبان هذه المرحلة مجلة ثانية هي مجلة الثقافة، اشترك في تحريرها فرسان الأدب، حفلت بالبحث الرصين، والمقالة المختارة، والقصص البديع.‏

بين العمل الأدبي والوزاري‏

ما إن بدأت تلوح في الأفق تباشير استقلال سورية، حتى أمسك خليل مردم يراعه، وخط كلمات النشيد السوري، مستوحياً إياها من بسالة حماة الديار، وتضحيات الشهداء.‏

وفي عام 1951 عُين الشاعر وزيراً مفوضاً في السفارة السورية ببغداد، ولم يغادر العاصمة العراقية إلا بعد أن استدعي إلى دمشق ليتسلم حقيبتي وزارة الخارجية، ووزارة المعارف، وانتخب في الوقت نفسه رئيساً للمجمع العلمي العربي، فبلغ بذلك أعلى ما يطمح إليه عالم، وأديب.‏

الأصالة والحداثة معاً‏

اعتزل خليل مردم السياسة ليتفرغ إلى أعماله الأدبية، وظل طلب العلم والتثقيف الذاتي يلازمانه طوال سني حياته، ومن يتصفح ديوانه يجد أن شعره قد جمع بين الأصالة والحداثة معاً.‏

توفي هذا الشاعر العظيم في دمشق، ورحل عن هذه الدنيا صبيحة يوم الثلاثاء 21 تموز عام 1959، عن عمر لم يتجاوز أربعة وستين عاماً، ودفن فيها.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية