تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


جدلية الشعر والتشكيل.من الحرف إلى الصورة

ملحق ثقافي
2018/7/10
إعداد: رشا سلوم

هل الشعر إلا رسم بالكلمات كما قال نزار قباني ذات يوم، وكيف لا يكون الرسم بالشعر أرقى وأشف، لاسيما أنه يحفظ في العقول والصدور، ولكن ماذا لو تواشجت الفنون كلها في جدلية عامة متلاحمة، كل فن وكل لون يعطي الآخر من جمالياته، وهنا يبدو الشعر والتصوير أقرب الفنون إلى الحالة، عشرات الدراسات قد توقفت عند هذه العلاقة الجدلية بينهما، ومن المعروف أن اغلفة الكتب التي نراها اليوم هي لوحات عالمية، تكون جواز وهوية بصرية إلى المجموعات الشعرية.

ولكن ماذا عن القصيدة والصورة واللوحة؟ تعود الحالة إلى الواجهة من جديد مع طغيان المشهد البصري على كل شيء، وقد سبق أن اصدر عبد الغفار مكاوي كتابه المهم جداً عن سلسلة عالم المعرفة وقد جاء تحت عنوان: قصيدة وصورة، في هذا الكتاب يقدم نماذج رائعة للتواشج الملحمي بين همس الحرف ولون هو من نبض الضوء، ومثال على ذلك قصيدة غناء:‏

غناء‏

فوق الماء‏

و موسيقا الماء‏

لا تطفئها إلا النار‏

غناء فوق الجسر‏

وصراخ عذاري‏

لم يتغنَّ به إنسان‏

من أجل الصمّ‏

عبّر عنه الفنان‏

كي لا يهووا‏

في جوف الصورة‏

كالعميان‏

الصرخة‏

كالشلال‏

تطلق بأصابع يد‏

توغل في البعد‏

إلى أميال‏

تشبه قبضة حجر‏

فوق الجلد‏

الطبلة‏

فاغرة الفم.‏

القصيدة للشاعرة مارجوت شاربنبرج التي ولدت عام 1924 في مدينة كولونيا من ديوانها «آثار» الذي أصدرته دار النشر جيليس وفرانكه في مدينة دويسبورج عام 1973.‏

من كتاب (عبد الغفار مكاوي، قصيدة وصورة، سلسلة عالم المعرفة: الكويت، عدد119 نوفمبر 1987).‏

لوحـة الصـرخة بالنرويجية من أعمال الرسام النرويجي إدفارت مونش 1893. تصور اللوحة شخصية معذبة أمام سماء حمراء دموية على خلفية من الأشكال المتماوجة وتدرجات اللون الأحمر الصارخة.‏

الصرخة موجود في أربعة إصدارات: اثنين الباستيل (1893 و1895) واثنين من اللوحات الزيتية (1893 و 1910). هناك أيضاً العديد من الطباعة الحجرية من الصرخة (1895 و في وقت لاحق). الباستيل 1895 بيعت في مزاد في 2 مايو 2012 بمبلغ 1199225 دولار، بما في ذلك العمولة. وهي النسخة الأكثر سخونة من الإصدارات، والنسخة الوحيدة التي لا تحتفظ بها المتاحف النرويجية.‏

لهذه اللوحة شعبية كاسحة منذ الحرب العالمية الثانية، ربما لأنها تجسّد القلق الحديث والمعاصر في رؤية تنبؤية للفنان منذ عام 1893. الدراما الموجودة في هذه اللوحة مكثفة وهائلة، فالمنظر الطبيعي المسائي يتحول إلى ايقاعات تجريدية من الخطوط المتموجة المرعبة، والطريق المرسوم مع السور الحديدي في منظور شبه لا نهائي يكثف الإحساس بالألم في اللوحة. السماء والطبيعة بألوانها الصارخة تضفي أجواء كابوسية غريبة، بحيث لا ندري هل هذه صرخة كونية من السماء؟ أم هي صرخة من أعماق النفس البشرية؟ هل هي صرخة رعب دفاعية أم صرخة رعب تحذيرية؟ القراءات مفتوحة وتتعدد وفقاً للناظرين إلى اللوحة. يقول الدكتور شاكر عبد الحميد في كتابه عصر الصورة الصادر عن سلسلة عالم المعرفة 311 يناير 2005 «إن لوحة الصرخة الشهيرة لإدفارد مونك مثلاً التي رسمها عام 1893، قد وجهت لتصوير ذلك الألم الخاص بالحياة الحديثة، وقد أصبحت أيقونة دالة على العصاب والخوف الإنساني. في اللوحة الأصلية تخلق السماء الحمراء شعوراً كلياً بالقلق والخوف وتكون الشخصية المحورية فيها أشبه بالتجسيد الشبحي للقلق». ‏

ومنذ فترة قريبة توقف عبده وازن عند هذه الظاهرة ونشر مقالاً في ملحق الاتحاد الثقافي الإماراتي قال فيه:‏

لعل أجمل تحية توجه إلى الشاعر المكسيكي الكبير أوكتافيو باث في الذكرى العشرين لرحيله (أبريل 1998) هي استعادة تجربة شعرية فريدة له حملها ديوان مشترك - ما برح مجهولاً عربياً - رغم كل الترجمات العربية التي حظي بها شعره. هذا الديوان الذي ترجم إلى الفرنسية اختار له عنواناً تشكليلياً هو «صور وتصاوير»، وضم اثنتي عشرة قصيدة له، واثنتي عشرة لوحة أنجزتها زوجته الرسامة ماري جوزيه باث.‏

اللوحات في هذا الديوان لم تسع إلى تزيين القصائد ولا القصائد سعت إلى مرافقة اللوحات ظاهراً، بل بدت القصائد واللوحات تتحاور وتتقابل وتتداخل «علاماتها» عبر ما يسميه الشاعر الفرنسي الكبير إيف بونفوا في تقديمه للديوان «الرغبة في الاتحاد»، لكن الاتحاد هنا بين الشعر والرسم لن ينتهي إلى حال من الانصهار التام. فاللوحة تظل لوحة والقصيدة تظل قصيدة. وإن بدت اللوحة سابقة كصنيع فني والقصيدة لاحقة فإن الشعر لم يكن ليفسر الرسم حتى وإن أمعن في استيحائه أو انطلق منه ليبني عالمه اللغوي والدلالي.‏

في هذا المعنى يظل أوكتافيو باث هو نفسه أوكتافيو باث. واللوحة تظل لوحة زوجته الرسامة التي اكتشفت دعوتها الفنية مصادفة فراحت ترسم بصمت بعيداً من ضوضاء العالم. بل هي - كما يعبر باث - راحت تصغي إلى النداء الباطني الذي اندلع في دخيلتها ذات يوم، ولجأت إلى الرسم وفن الكولاج لتعبر عما يساورها أو يعتريها من أحوال ورؤى.‏

لعل طرافة هذا الديوان الذي يحمل عنوان «صور وتصاوير» في كونه يفضح ناحية من نواحي العالم الشعري الرحب الذي رسخه أوكتافيو باث، وأقصد علاقة القصيدة لديه بالرسم أو الرؤية التشكيلية التي يضمرها شعره. وثقافته التشكيلية ساعدته كثيراً على اختراق المأزق الشعري وهذبت عينه الداخلية وفتحت أفقه اللغوي على معنى الصورة.‏

ولا تنفصل هذه الثقافة عن ثقافته الشاملة التي تمثل جزءاً رئيساً من تجربته الشعرية. فالتجربة الثقافية هي الوجه الآخر الذي يكمن وراء وجه الشاعر أو وجه الشعر. وقد يكون الفن التشكيلي هاجساً من هواجس باث التي كثيراً ما ساورته تماماً مثل الأروسية والصوفية وسواهما.‏

يعرف الشاعر، كما يشير في نصه الذي كتبه عن هذه التجربة المشتركة، شاهداً طوال خمسة عشر عاماً على عمل زوجته ماري جوزي باث «السري والشغوف». كان يحدق في اللوحات كما لو كان يقرأها، ويغرق في عالمها الغريب، الواقعي والحلمي. وتحت وطأة تلك «الرفقة»، أو «الصداقة» الفنية راح يكتب قصائده انطلاقاً منها. بل هو استطاع أن «يضع» اثنتي عشرة قصيدة مستوحياً اثنتي عشرة لوحة. غير أن من يقرأ القصائد ويشاهد اللوحات يتبدى له بوضوح كم أن القصيدة تضاهي اللوحة إبداعاً وسحراً. فهي لا تكرر اللوحة.‏

وفي الدراسات الجديدة أيضاً توقف الدكتور نذير العظمة في كتابه: فقه الصورة والتراسل بين المخيلة والعين، الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب يقف فيه عند تناص القصيدة العربية مع الفنون البصرية، وفيه يقف عند نماذج شعرية وبصرية.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية