تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


مختارات من شعر سيرغي يسينين

ملحق ثقافي
2018/7/10
ترجمة وتقديم: د. ثائر زين الدين

ينتمي سيرغي يسينين إلى الشعراء الأكثرَ شعبيّةً في روسيا؛ حتى أولئكَ الذين لا يهتمونَ عادةً، كثيراً بالشعر، يعرفونَ شعرهُ ويحبونه، وهذهِ المحبّة تزدادَ مع السنين.‏

شعر يسينين يحملُ في أعماقِهِ تواضعَ قلب الإنسان الروسي ورقَّته، جمالَ أراضي أواسط روسيا وريازان، شيئاً غير قليلٍ من الطبائع الروسيّة، أنغامَ الأغنيات التي تتردَدُ في الريف الروسي؛ ولهذا فليسَ غريباً أن نجدَ الكثيرَ من أشعار يسينين وقد لُحّنت وراحت تُغنّى.‏‏

غادرَ الشاعر الحياة باكراً جداً في 27 كانون أول 1925 في لينينغراد، لقد عاشَ ثلاثين سنة فقط، وربمّا لهذا سنلتقي في شعرِه تلكَ السعادةَ المشوبةَ دائماً بمشاعر الحزن، وسنتذكّر قصيدته: «وأنهى الحرجُ الذهبي حديثه، بلغةِ البتولا المرحة»‏.‏

تحدّث سيرغي يسينين دائماً بفخرٍ عن جذورِه الريفيّة؛ وكانَ قد ولدَ في قرية كونستانتينفو في مقاطعة ريازان في 3 تشرين أول 1895، أنهى دراسته الإعدادية في قريتهِ، وانتقلَ إلى مدرسة المعلمين الكَنَسيّة في ناحيةٍ مُجاورة، لكنه لم يصبح مُعلّماً؛ كانَ قد بدأ يكتب الشعر وهو في المدرسة، مفكّراً بشكلٍ جادٍ أن يصبح شاعراً هاماً، ولكن ستمضي سنوات قبل أن يتحققَ لهُ ذلك.‏‏

يسافر يسينين إلى موسكو، ويعملُ فترةً غير قصيرة في مطابع الناشر الروسي المعروف ي. د. سيتين فيعيش حالةَ الحِراك السياسي الذي كانت تمورُ به روسيا في تلك الأيام؛ ويتبنّى أهدافَ الطبقة العاملة رغم جذورِهِ الفلاحيّة، فيشارك في توزيع المنشورات السريّة، ويصبحُ مُراقَباً من قبل البوليس. وفي تلك الفترةِ نفسِها يبدأ الشاعِرُ بزيارة جامعة شانيافسكي الوطنيّة.‏‏

-في ربيع 1915 يرحَلُ يسينين إلى بتروغراد، حيث يلتقي - قبلَ كل شيء - الشاعِرَ الكبير ألكسندر بلوك، الذي يستقبل الشاعر الشاب بالترحاب، ويساعدهُ في نشرِ أشعارِهِ في أفضل دور النشر في العاصمة، فينطلقُ اسم الشاعر، وتتحدّثُ عنهُ الأوساط الأدبيّة. أثناء ظهورِه في صالونات العاصمة الأدبيّة يبدو يسينين شاباً رقيقاً، أزرقَ العينين، ذهبي الشعر، لطيفاً، ويصفُ بلوك شعرَ يسينين قائلاً: «شعرُه طازج، نظيف، موسيقي، غزير»، صوت الشاعر سيزدادُ قوةً بسرعةٍ كبيرة، وسيتسعُ مجاله الحيوي، وتلكَ العبقريّةُ التي منحتها الطبيعةُ للشاعِر بكرمٍ وسخاء ستُمَكّنُهُ أن يحمِلَ في شعرِهِ صوتَ الزمنِ ونبضه؛ وسيتحققُ ذلك حين تتصِلُ ألسنةُ لهب الثورةِ بألسنةِ لهبِ الحرب العالمية.‏‏

-ينتحرُ الشاعر بعد أن تعصفَ به التناقضات الفكرية والروحيّة العميقة، التي تتعاظم مع السنين والتي تجعله يشعرُ بالعزلةِ والخواء.‏‏

**‏‏

مختارات شعرية‏‏

ها قد جاءَ المساء. الندى‏‏

يلتمعُ فوق نباتِ القرّاص‏‏

وأنا أقف إلى جوار الطريق‏‏

متكئاً إلى صفصافة.‏‏

ينبعثُ من القمرِ ضوءٌ غامر‏‏

ينسكبُ فوقَ سقف بيتنا‏‏

ومن مكانٍ ما في البعيد‏‏

أسمَعُ أغنيةَ العندليب.‏‏

راحة ودفء‏‏

كأني جالسٌ إلى الموقدِ في الشتاء‏‏

بينما تنتصبُ أشجار البتولا‏‏

كشموعٍ كبيرة.‏‏

وهناكَ خلفَ النهر‏‏

يتراءى لي وراءَ حدودِ الغابة‏‏

الحارسُ النعسان، وهو يثيرُ الضجّة‏‏

بعصاه الميتة!‏‏

1910‏‏

**‏‏

انسكبَ فوقَ البحيرة ضوءُ الفجر الأحمر‏‏

وفي الغابةِ يبكي مالك الحزين بصوتٍ عالٍ.‏‏

يبكى العصفور الصَّفّارُ في مكانٍ ما، مختبئاً في مَكْمَنِه‏‏

أما أنا فلا رغبةَ لي بالبكاء - الضوءُ يغمرُ روحي.‏‏

أعلمُ أنكِ ستخرجينَ مع المساءِ إلى مُلتقى الطُرُق‏‏

وسنجلسُ معاً فوق حزمةٍ جديدةٍ من كومةِ قشٍ، جمعها الجيران.‏‏

سأُقبّلكِ حتى السُّكْر، وأداعبكِ كزهرة‏‏

مخموراً من السعادة، وبعيداً عن اللوم.‏‏

عندها مأخوذةً بتلكَ المداعبات ستلقين بمنديلك الحريري عن رأسك‏‏

فأحملكِ أيتُها السكرى بين سيقان الشُجيراتِ حتى الصباح؛‏‏

فليبكِ إذاً مالك الحزين بصوتٍ عالٍ‏‏

ثَمّةَ حنينٌ فرحٌ في حُمرةِ الفجر.‏‏

1910‏‏

**‏‏

مع الثلجة الأولى سأجيء‏‏

وفي القلب سوسن الوادي، متوقد القوى‏‏

والمساءُ يشعلُ نجمَتَهُ كشمعةٍ زرقاء.‏‏

ويضيءُ لي طريقي.‏‏

لا أعلمُ أضوءٌ أم ظلام؟‏‏

وهل هذا غناءُ الريحِ يتردد، أم غناءُ ديك؟‏‏

وربّما ما أظنّهُ الشتاء فوقَ الحقول‏‏

ليسَ إلا طيورَ التم تجلسُ في المروج‏‏

رائعةٌ أنتِ أيتها الفَراشَةُ البيضاء‏‏

رائعٌ هذا الصقيعُ الخفيف الذي يبعث الدفءَ في دمي.‏‏

كم أتمنّى أن أضمّ إلى جَسدي‏‏

نهودَ البتولا العارية‏‏

آه يا ضبابَ الغابةِ الكثيف!‏‏

آه يا مرح الحقولِ المكسوّةِ بالثلج‏‏

كم أرغبُ أن أضمَّ بيديّ‏‏

أردافَ الصَفصافِ الخشبيّة!‏‏

1917‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية