تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أول الكلام.....اعرف نفسك

ملحق ثقافي
2018/7/10
نصر الدين البحرة

«ينبغي أن نفكر كيف يصح أن نعيش»عمر فاخوري

يقال إنها لفيثاغورث، تلك العبارة التي كانت منقوشة على باب معبد «دلفي» في اليونان: «اعرف نفسك بنفسك». وكما يبدو من ظاهر العبارة وباطنها، فربما كان أكثر الأشياء صعوبة، هو أيسرها وأبسطها في الآن ذاته.‏

بلى.. في البدء كانت الكلمة، وإذا كان الإنسان قد كتب بعد أن تكلم، فلعله أمضى ملايين السنين حتى وصل إلى الكلمة المكتوبة. وإنها لمسافة طائلة، تلك الواقعة بين الشفة والكلمة. إنها أبعد من الأنامل والسطور، ذاك أنها بين الفكر والعمل. ويحار المرء أحياناً، وهو يحاور العلاقة بين طرفي هذه المعادلة: أيهما كان في البدء: الفكر، أم العمل؟‏

يتحدث «إنغلز» عن دور اليد في تحويل الكائن الحي من قرد إلى إنسان، ولكن هل كان يحدث ذلك لولا لمامة من فكر؟!‏

ماذا يريد الإنسان حين يفكر؟ ما الذي يبغيه البشريّ عندما يعمل؟! ألا يشبه ذلك، من جانب ما، العلاقة الكائنة ما بين الأواني المستطرقة؟ يعمل الإنسان حين يفكر، ويفكر إذ يعمل، أي عمل لا فكر فيه، وأي فكر هذا الذي لا يفضي إلى العمل؟‏

ولكن ماذا بعد؟‏

لقد سجل «كوجيتو» ديكارت ثورة في الفلسفة، كانت بداية عصر، ومنتهى عصر آخر: أنا أفكر إذاً أنا موجود، هي إذاً، تلك الفكرة، جوهر الوجود. فهل الوجود في كينونته وديمومته سوى العمل؟!‏

لا بأس، لا بأس، لنفكر حيناً أكثر مما نعمل، ولنعمل حيناً آخر أكثر مما نفكر. ولكن.. ماذا بعد؟‏

يقول أبو ماضي:‏

أنا بالحب قد وصلت إلى نفسي‏

وبالحب قد عرفت الله‏

وكان قد ذكر في «العنقاء»:‏

وعلمت حين العلم لا يجدي الفتى‏

أن التي ضيعتها كانت معي‏

فليت أنّا نعلم، حين العلم يجدي، وقبل أن نكون قد أضعنا شيئاً أو كل شيء، أن الحب هو المبتدأ والخبر، هو الإلكترون وهو أيضاً البوزيترون.. والاثنان معاً يدوران حول نواة معتدلة نسميها الحياة. هو الحب تبارك اسمه، موت أيضاً، لكنه حياة في الموت، وموت في الحياة، لا.. لم يكن ابن عربي مبالغاً حين أعلن:‏

أدين بدين الحب أنّى توجهتْ ركائبهُ‏

فالحبّ ديني وإيماني..‏

وليت أنا نحب، حتى يمسي قلبنا، كذاك الفؤاد الذي تحدث عنه بدوي الجبل:‏

والقلب أخصبه بالنور أسخاه..‏

ألا ما أذكاك يا صديقي، وأنت تضع يدك على سر الأسرار، وروح الكون، وباعث النسمة والأنسام.‏

مَوْرد النور وبؤرة الضياء: الحب، الشمس والقمر، العتمة والضوء، الشفق والغسق.‏

وكيف لنا أن نحب بعضنا.. أكثر مما نفكر.. وهل بات مستحيلاً أن نرجع إلى سنّة ابن عربي:‏

لقد صار قلبي قابلاً كل صورة‏

فمرعى لغزلان ودير لرهبانِ‏

وبيت لأوثان، وكعبةُ طائف‏

وألواح توراة ومصحف قرآن‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية