تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الجوهر الفني

ملحق ثقافي
2018/7/3
يقول كانط بأن لكل شيء جوهراً وظاهراً؛ الجوهر يوجد فيما وراء إدراك الإنسان، أما الظاهر فهو الشيء كما يبدو لإدراك الإنسان، ويشكل العقل الجانب الظاهري للإنسان.

وفي زمن لاحق للكانطية، جاء من نقض موقف كانط، وأنكر الجانب الجوهري، ونظر إلى العالم كمجموعة من الظواهر، وقال إن الجماعات المختلفة من الناس تملك ثقافتها الخاصة، وأن نسيج هذه الثقافة ليس هو فقط الذي يحدد إدراكنا للعالم، وإنما يشارك في تشكيله أيضاً.‏‏‏‏‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

استعاد شيلر في كتابه (رسائل حول التربية الجمالية) فكرة مفادها أن الفن لهو مجاني ولعب متناغم، وهو بهذا قد تجاوز الكانطية، حين أسقط أهمية المضمون من تقييم العمل الفني واعتبار الشكل كل شيء. وعاد شيلينغ إلى السؤال الكانطي: هل هناك في أعماق الأنا حركية لاواعية كما الطبيعة، وواعية كما الروح؟ وأجاب شيلينغ مؤكداً أنها الحركية الجمالية، وهي بالضبط حجر الزاوية في أي عمارة فلسفية.‏‏‏‏‏‏

تطورت فكرة الفن في القرن التاسع عشر مع فريدريك هيغل، الذي اعتبر الفن وسيلة الروح في وعيها لذاتها. ويكون الجمال الفني أرفع من الجمال الطبيعي بفعل طابعه الروحي. والفن إبداع وليس مجرد محاكاة، حيث المحاكاة لا توصل إلى عمل فني ذي قيمة. والمضمون الفني هو موضوع فردي وليس تصوراً مجرداً. ففي الفن يتحول المحسوس إلى روحاني، وتتمظهر الروح في الشكل الحسي.‏‏‏‏‏‏

أما كارل ماركس، فقد شدد على المضمون لا على الشكل ولا على البنية الاقتصادية والاجتماعية ولا على العبقرية الفردية، إنما وجد أن الجمال الفني لا يتحقق على نحو أفضل إلا عندما يعبر عن مصالح الطبقة الصاعدة، أي البروليتاريا. إذاً، فالفن عند ماركس له مهمة أيديولوجية في مناخ من الصراع. وفي نهاية القرن التاسع عشر دعا فريدريك نيتشه الإنسان إلى السيطرة على الطبيعة عبر الفن والعلم والفلسفة. ووجد في التراجيديا الإغريقية خير مثال على ثنائية لصيقة بالوجود الإنساني: النزعة الأبولونية الغارقة في التأمل والهدوء والخيال والحلم، والنزعة الديونيسية المائلة نحو النشوة والألم.‏‏‏‏‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ظهرت الواقعية كحركة مهيمنة على الفن والأدب والفلسفة، متناولة للمرة الأولى في تاريخ الفن الغربي، المسائل الاجتماعية، معلنة أن للفن دوراً وظيفياً اجتماعياً. وهي – أي الواقعية – لا تقتصر على تصوير المناظر الطبيعية، ومظاهر الحياة اليومية، بل تناولت أيضاً القضايا الحياتية وليدة الأزمات والتناقضات الاجتماعية.‏‏‏‏‏‏

واجهت الواقعية وأنصارها نقداً لاذعاً وسخرية ورفضاً، لأنها قدمت صورة مناقضة للتي تتبناها الطبقات الحاكمة. وكما يقول أرنولد هاوزر في كتابه (الفن والمجتمع عبر التاريخ) فإن النقاد المحافظين تذرعوا بكل الحجج للتعبير عن عدائهم للنزعة الطبيعية، وهجموا على الواقعية واتهموها بالسوقية والبذاءة، وبأنها تفتقر إلى المثالية والأخلاقية. ولكن هذه العدائية لم تقض على الواقعية، ولم تستطع أن توقفها، إذ كان لها دور أساسي في تطور الحركة الفنية في الغرب، ومهدت للانطباعية، وتم الاعتراف بتجديدها على صعيد الموضوعات الاجتماعية.‏‏‏‏‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية