تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أدب الظل من المذكرات إلى الفضاء الأزرق

ملحق ثقافي
2018/7/3
إعداد: رشا سلوم

هل الأدب الذي نراه اليوم، هو الذي نال جواز المرور إلينا، ولا يمكن لأي أدب أو لون آخر أن ينافسه، بل كيف وصل إلينا بهذا الشكل المنجز والنهائي؟ أسئلة كثيرة لم يقف النقد الأدبي عندها،

بل ربما أهملها لصالح أسئلة أخرى كثيرة، ولكن المسألة تعود من جديد إلى النقاش لكن بصيغة جديدة: هل ثمة أدب ظل، وما هو هذا الأدب ومن ينتجه وكيف، ولماذا يهمل، هل على أدباء الظل أن يبقوا هكذا وراء الأكمة؟‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

ومن ثم أي ظل نعنيه؟ هل هو الظل الذي لا يسمح للكتاب أن يكون في الواجهة؟ أم أنه الأدب الشعبي الآخر، أم أنه الأدب الذي يعني فيما يعنيه تدوين وقائع الحياة بكل ما فيها، وما عليها، وبالتالي هو أكثر براعة في الجرأة وقول الحقيقة..‏‏

أسئلة كثيرة تطرح على بساط البحث والنقاش، وهي مرشحة للمزيد من التعمق في الدلائل والمعطيات، يقول ممدوح فرج النابي في ذلك:‏‏

ثمة ظواهر أدبية آخذة في الانتشار والتحقّق على الرغم من عدم اهتمام المؤسّسة النقدية الرسميّة بها أو حتى مجرد الالتفات إليها، ودراسة أسباب ظهورها وانتشارها، وهو ما يدعو للعجب والتساؤلات في آن معًا! ومن هذه الظواهر اللافتة، ما يمكن أن يُطلق عليه “أدب الظل”، وهو ما يُقابل “‬الأدب الرَّسمي” الذي يَلقى الحفاوة والتقديم والتقييم من قبل النقاد والمؤسّسات الأكاديمية كالجامعات ومعاهد النقد وما ينبثق عنهما من دراسات منهجية تمتثل للنظرية، في حين يتمّ التعامل بالعداء والإهمال مع أدب الظل، حيث يُعده الأكاديميون أدبًا خارج التصنيف، أي لا قيمة له، فلم يتوقف عنده الدارسون بالدرس والتحليل - باستثناء محاولات فردية - أو حتى إبراز علاقته بمعايير الأدبيّة التي يتمّ بها تصنيف النصوص إلى جيّدة ورديئة، وأيضًا معرفة لماذا هذه الشّعبية الجارفة لهذه الكتابات على الرغم من أنها تلقي العداء في صورة الرفض والاستهجان من المؤسّسة الرسميّة، وبمعنى أدق تَلقى القمع بحكم عدم الشّرعية الثقافيّة؟! هل هذه الجماهيرية مرتبطة بما وصفته حنّة أرندت أن الناس “‬لا ترغب في الثقافة” بل في “‬ملء أوقات الفراغ” عبر مواد للتسلية والإلهاء، وبما أن الثقافة صارت سلعة، فصارت بديلاً للإلهاء. وهنا تصبح وظيفة الثقافة ليس أكثر من تلبية لحاجة مؤقتة وعابرة. وإن كان نُقَّاد المؤسّسة الرسميّة يُيرِّرون هذا الإهمال، بافتقار هذا الأدب - على المطلق - للأدبيّة وفقًا لأحكام ومقاييس النظرية النقدية.‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

البحث عن الأدبية‏‏

في مقابل هذه الكلاسيكية التي هي سمة روائع الأعمال، ثمة أدبيّة ما تستقطب الجمهور الجديد لهذا الأدب! وهذه الأدبية حمّالة أوجه، فهي عند النقاد تحمل جمالية معينة يبحث عنها داخل النّصوص، في حين لها عند ذائقة القرّاء سمات وخصائص أيضًا جمالية، وإن كانت مخالفة عن جمالية النخبة التي بحث عنها في النص. فإخضاع النصوص لهذه الأدبيّة غير المعيارية ظالم لكثير من النصوص، فالأدبية المقصودة - هنا - وليست بمفهوم البنيويين المتمثّل في عزل النص (أي استقلاليته) عن مقارباته الخارجية، هي “مفهوم ثقافي” في المقام الأول، ومن ثمّ تتغيّر تصورات الناس لها بتغير سياقهم الثقافي بتغيّر وجودهم في التاريخ وتغير وجودهم في الجغرافيا، فضلاً عن تغير وجودهم الاجتماعي كما يقول سيد ضيف الله. فالنظرية الأدبية وفقًا لـ “‬أرثر إيزابرجر” ترى أن “‬كلما كان النص أَدنى ذوقًا، كلما زاد عدد الأفراد المتذوقين والمحبين له. ومن ثم جعلت النظرية الغموض وتعدد التأويلات قرين نصوص النخبة في مقابل الوضوح قرين الأغلبية والجماهير. ومع تجاوز الأدنى ذوقًا لأن الأدنى عند النخبة يقابله الأفضل عند القارئ العادي. نقف مع معضلة أخري تتمثل في غياب “العدالة الأدبية” بين هذه النصوص الدنيوية بتعبير إدوارد سعيد ونصوص النخبة. وقد سعى النقد الثقافي وفقًا لرهاناته وطموحاته، لكسر هذه النخبوية التي يتعامل بها النقد الأدبي، والانحياز إلى أعمال معينة وفقًا لهذه البرجوازية، لكن هو الآخر لم يقم بتجسير الفجوة النقدية في تتبُّع هذه الظاهرة، أو حتى تقييمها، وإنما سار أصحابه علي درب النقاد النخبويين، في غضّ الطرف عن هذه التحولات علي مستوي الكتابة وكسر مفهوم الأدبيّة الصّارم الذي وضعه النقاد المتأثرون بالمنهج البلاغي القديم كمعيار للحكم على الأدب، وهو ما يتصل باللفظة من جهة كونها مُتخيَّرة شريفة أو سوقية مبتذلة، ومن ناحية ثانية في دراسة دوافع تشكّل ذائقة جديدة على مستوي القراء، وهو ما أسهم في حالة من الرواج.‏‏

الخلاصة‏‏

والسؤال الذي نطرحه: إضافة إلى ما قيل سابقاً: هل ما ينشر على الشابكة هو منا النوع، وهل يمكن القول مثلاً إن يوميات تدون من قبل حلاق أو مزارع هي من هذا اللون، وبالتالي فكل ما يدونه الإنسان لون من ألوان الأدب..‏‏

ربما يكون كذلك، يحمل أهميته وقدرته على البوح بأسرار المجتمعات والتقاط الصورة الحقيقية لها، بخيرها وشرها، بكل ما فيها، وفي الغرب هذه الظاهرة موجودة وهي حسب فراج تعد “نوعاً خاصاً” من اللغة وفقًا لرأي الشكلانيين، فكما يقول رومان جاكوبسون إن الأدب يحوِّل “‬اللغة الاعتيادية، ويشدّها، وينحرف بصورة منظمة عن الكلام اليومي”. وفي كل ما تقدّم من محاولات، يُمارس الكُتّاب ألاعيبهم بواسطة اللغة وانحرافاتها. لذا، يصعب أنْ نُقْصِي أيّة كتابة عن الأدب، فما يقرأه أحد علي أنه ليس أدبًا يقرأه آخرون علي أنه من الأدب فكما يقول إيغلتون “الأدب خطاب غير ذرائعي»، فيخلص إلي أنه ليس للأدب جوهر مهما يكن هذا الجوهر، ويمكن لأية قطعة من الكتابة أن تقرأ بصورة غير ذرائعية، إن كانت “‬غير الذرائعية” تعني ما يقرأ النص بوصفه أدبًا. ومن ثمّ فالإقصاء في حد ذاته ضدّ الأدب، فمقولة الأدب ليست موضوعية في حد ذاتها، وهو ما يعني أنها ليست أبدية ولا تقبل التغيير، ما دام هناك ذائقة متغيرة، ومن ثم المعيار الأساسي هو الجمالية، التي تختلف بين كتابة وأخرى.‏‏

ووفقًا لهذه الجمالية والميول نحوها، تنتج كتابات نخبوية وأخرى جماهيرية، والمعايير التي تنظر بها النخبوية إلي الأدب بالطبع تختلف عن المعايير الجماهيرية، وهو ما خلق تعدداً في الأذواق وخروج كتابات كسرت حد الاحتكار على نحو ما فعلت كتابة هاري بوتر التي صنفتها المؤلفة إلى فئة عمرية صغيرة لكن طغت شهرتها على الجميع، وبالمثل أعمال دان براون. كما لا ننسى الشرط التاريخي والثقافي الذي يلعب دورًا مهمًّا في الترويج لأعمال بعينها. وما قيل عن الروايات الرائجة أو الشعبية أو المنتقبات وغيرها من مسميات تقع تحت دائرة الظل أن هذه الأعمال يكفيها أهمية أنها غيرت سوق الكتب وساعدت على الرواج؛ لدرجة أن كُتَّاب الثقافة الرفيعة عبروا عن شكاواهم المريرة عن شعبيتها ورواجها التي تتأثر بالنقد، والتي لا تستحقها. وبناء عليه يجب أن يعود النقد لوظيفته التي ارتآها إدوارد سعيد بأنه مطالب بالكشف عن الوظيفة الثقافية والأيديولوجية للنصوص الأدبية، بدل العكوف على فحص قيمه الجمالية.‏‏

ولا أدل على اختلاف هذه الذائقة من اختلاف رد الفعل حول حصول الكاتب أحمد مراد علي جائزة التفوق لهذا العام، التي تمنحها الدولة المصرية، متخطيًّا كُتابًا لهم مكانتهم المشهودة في عالم الأدب، وكذلك لهم مشوارهم الطويل في عالم الأدب. وهو ما يؤشر إلي بداية عصر هيمنة أدب الظل، وتفوقه على الأدب الرسمي بلغة النقاد الأكاديميين! فهل سيقبل نقاد المؤسسة بهذه التصنيفات أم جاءت جائزة أحمد مراد كنوع القنطرة التي يتم بها عبور هذا الأدب وقبوله ضمن الأدب الرسمي؟‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية