تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


القلب الشجاع.. ملحمة تتكرر

ملحق ثقافي
2018/7/3
يوسف أبو الفول

وليام والاس هذا الاسم لمع منذ العصور الوسطى، وقد عرفه وعشقه كل إنسان مناضل، وتم إطلاق قصته بفيلم يعرفه كل العالم يدعى( Brave heart )- القلب الشجاع،

علماً أن العرض الأول للفيلم كان بتاريخ 24 مايو 1995.. ومن إخراج وبطولة النجم الخبير والمحترف ميل جيبسون، سيناريو الكاتب راندل والاس.‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

حاز الفيلم على جوائز أوسكار بكل مكوناته، ولكن لا يمكننا إلا أن نخص بالذكر الموسيقي الرائع جيمس هورنر لهذه الموهبة والحرفية التي من خلالها استطاعت أن تغني الأرض وتصرخ الحرية وتنشد بداخلنا التضحية من هذه الآلة الموسيقية الاسكتلندية الفلسطينية (المزمار القربة) ...‏‏

الفيلم كتب عنه الكثير الكثير، وبغض النظر عن مصداقية النص ومقارنته بالحقيقة والتاريخ، فإن هذا هو وجه إنكلترا الحقيقي الذي جسده الفيلم بشخصية الملك إدوارد الأول الملقب بذي الساق الطويلة في احتلال أرض اسكتلندا حتى إصدار قانون حق السيد، إذ يسمح للحاكم بمضاجعة العرائس قبل دخول أزواجهن عليهن. هذه طبعاً بعض مظاهر إذلال الانكليز للشعب الاسكتلندي التي تطرق لها الفيلم. ولم يسلم حتى المقاتلون الموالون للملك الإنكليزي من بطشه؛ حيث يأمر في إحدى المعارك برمي السهام على جميع المتقاتلين من الجانبين في المعركة.‏‏

هذه هي سياسة إنكلترا، ولم تتغير يوماً. وهنا يؤكد لنا كاتب الفيلم أثناء العرض أن لا أحد يستطيع إلغاء وجود شعب يدافع عن أرضه مهما كانت قوة المحتل وحجمه وعنفه عسكرياً وعدداً وعتاداً، فالمناضل ويليم والاس الذي لم يكن يطمح بغير الحب والسلام مع حبه الأول للجميلة (مارون) بقصة حب تبدأ منذ الطفولة بعلاقة مذهلة ببساطتها وبراءتها وشفافيتها.. لكن سرعان ما تنتهي بطريقة يتمزق لها القلب، حين يقوم الشريف الإنكليزي بذبح حبيبته بعد أن دافعت عن نفسها من محاولة لاغتصابها على يد أحد الرجال الإنكليز. هذا ما يدفع حمم البراكين التي بصدر وليام والاس إلى الانفجار، ثم فرشها بالأرض نضالاً وحرائق، ويبدأ تشكيل وتجميع الاسكتلنديين ومحاربة إنكلترا وتمزيقها بالخسائر المتتالية. فيسطرون أجمل التضحيات ومواقف الشجاعة، إلى أن يقع وليام والاس أخيراً ضحية خدعة للإنكليز ويتم اعتقاله لوحده.‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

لن نستطيع في مقالٍ واحد الحديث مفصلاً عن سمات جميع مشاهد الفيلم، فحتى اليوم لم يلغِ تكرار عرضه شعور المتعة والدهشة لدينا حين مشاهدته، ففي كل مرة نشعر كأننا نشاهده للمرة الأولى ونستمتع حتى آخر ثانية بعرضه.. لكن مع الأسف مازال الإنكليز محافظين على نهجهم، فلا يغرنك جلوس قياداتهم في الصف الأول في قاعات السينما عند إطلاق هكذا أفلام تزخر بالقيم الإنسانية، ولا يغرنك تصريحاتهم ومباركتهم لمثل هكذا أفلام، فهناك شعب حتى اليوم يعيش دور هذا الشعب الاسكتلندي المناضل، وواقعه يفضح نفاقهم وازدواجيتهم... وحتى هذه اللحظة يُقتل من خيرة أبنائه في سبيل استعادة أرضه وحريته؛ إنه الشعب الفلسطيني الذي يعيش قصة مشابهة لقصة هذا الفيلم منذ عام 1948 حتى هذه اللحظة، ولم ينتهِ العرض من نشرات الأخبار، ولم تتغير مشاعر المشاهدين عبر شاشة التلفاز 70 سنة، ولم ينتهِ... ويتساءلون كم ثمن هذه الحرية التي فقدناها؟‏‏

هذا تاريخ الشعب الفلسطيني وقد كتب السيناريو بغصن الزيتون وحبره من دماء القدس. إنه حاضر يتكون من التصاق نسخ ماضينا، أن يُسلب ما لديك فتقضي عمرك لتقاتل وتموت في سبيل استعادته؛ أن يأتي أحدهم ويسلبك أرضك وزوجتك وأطفالك ومنزلك وحديقتك وأشجارك ودفتر مذكراتك وتاريخك وعنوانك وبطاقات حفلات السينما التي استخدمتها، حتى طعام كلبك الصغير. إنه يسلبك كل ما تملكه من الوطن ويعطيه لشراذم تم تجميعها من شتات الأرض، لتحتل أرض فلسطين وتبقى على مواجهة وصراع متواصل لا ينتهي مع محتل مدججٍ بأحدث الأسلحة مقابل الحجارة في يدي. أو تهاجر حاملاً خيمتك فتنظر لنفسك فجأة أمام قطار من الفقراء والمهمشين منتظراً أنت وعائلتك وصول دوركم إلى نافذة الأونروا لتأخذ بضع أكياس الطحين والأرز التي تبرع بها العالم لك..‏‏

إن الفلسطيني هنا وهناك في شتاته المتعدد، لاجئ يصرخ كما يصرخ وليام والاس في آخر دقائق الفيلم بوجه العالم كله يريد الحرية لا غيرها، يريد أن يعيش ككل البشر على أرضه التي ينتمي إليها وتنتمي إليه... لكن لا جدوى فمن يقف بجانبك يتم إلغاؤه وتمزيقه وسلبه ممتلكاتك، ويفقد كل شيء، وينصب خيمته بجانب خيمتك. إن الخدعة الإنكليزية مازالت قائمة ويجهزونها مسبقاً.‏‏

في زنزانة المنفى لا يملك الفلسطيني حتى بلاطة السجن التي يجلس عليها.. لكن الواقع أشدُّ سوءاً مما تعرضه السينما؛ حيث وضع الشعب الفلسطيني أكثر من مرة تحت مقصلة الأمم المتحدة، ولكن يعجز الجميع عن وضع نهاية لهذه الملحمة. فالشعب الفلسطيني يلغي بصموده كل نهاياتهم التراجيدية، ويترك أفقاً لنهاية تليق بكرامة الإنسان.‏‏

وإن كان فن السينما يميل إلى البطولة الفردية، فالبطولة هنا جماعية لشعبٍ بأكمله وللمقاومين الشرفاء الذين ينصرونهُ، وإن كان هناك رجلٌ اسكتلندي ظهر في الفيلم يتحدى البطش الإنكليزي بقلبٍ شجاع، فهاكم انظروا أطفال فلسطين ونساءها وأسراها ورجالها وحتى مقعديها، شاهدوا القلب الشُجاع يتحدى مؤامرة جمعت طغاة العالم.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية