تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الغزو الوحشي الهمجية الصهيونية في فلسطين

ملحق ثقافي
2018/7/3
نجلاء الخضراء

كانت الحملات ذات الطابع العسكري في العصور القديمة مرتبطة أكثر بالأسباب الطبيعية للحياة، من سعي لتأمين الغذاء على مدار العام وغيرها. وإذا أردنا أن نذكر مثالاً، فإن المدن الساحلية

والمدن التي أقيمت في السهول الخصبة كانت من أكثر المدن تعرضاً للغزو، بينما تكون المدن الجبلية أقلها تعرضاً للغزو.. إلخ.‏‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

وفي العصر الحديث بتنا نجد حملات غزو تُخلف دماراً هائلاً، مبنية على أيديولوجيا ورغبات دولية ومطامع لعُصبة من الدول الجشعة. ولعل الغزو الصهيوني لفلسطين مثالٌ على أكثر أشكال الغزو تطرفاً وكيف أثمرت الرأسمالية العالمية دركاً جديداً للانحطاط في مهاوي الهمجية والوحشية على صعيد العبث في سيكولوجيا وحتى ديموغرافيا عدد كبير من شعوب العالم.‏‏‏

حيث تم في خضم الغزو الأكثر استفزازاً في تاريخ البشرية جمع أناس من شتى أصقاع الأرض وإرسالهم ليعيش جزءٌ منهم في خيام، وجزءٌ آخر في دور الفلسطينيين بعد تهجير الفلسطينيين منها، لمجرد إقامة مخلب للدول الاستعمارية في المنطقة العربية الثرية، ومحاولة ليّ عُنق التاريخ، والقيام بأكبر عملية تزوير للتراث، كي يزرعوا شوكة الكيان الصهيوني في حلق الأمة العربية.‏‏‏

فما هي حقيقة الحملات الصهيونية على القدس عاصمة فلسطين؟ ولماذا تعتبر مساعي الكيان الصهيوني أشرس مُفارقة تاريخية في لعبة الغزو؟ هذا ما سنتناوله.‏‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

ظلت القدس العربية اليبوسية صامدة في وجه الإسرائيليين عندما دخلوا أرض كنعان بقيادة يوشع الذي شن حرباً على الكنعانيين، ودخل أريحا تحت جنح الظلام بعد أن قطع ببني إسرائيل نهر الأردن، وانتهى إلى أريحا وكانت من أحصن المدائن سوراً وأغلاها قصوراً وأكثرها أهلاً، فحاصرها ستة أشهر ودخلوها عنوة، وقتلوا اثني عشر ألفاً من الرجال والنساء(1).‏‏‏

ونذكر هنا لماذا يسبت اليهود في يوم السبت.. جاء في العقيدة اليهودية أن دخول أريحا كان يوم الجمعة، وقد بدأ وقت شروق شمس يوم جديد وهو يوم السبت الذي حرم فيه على بنو إسرائيل العمل والحرب، فخشي يوشع بن نون أن يذهب النصر، فنظر إلى الشمس وقال: (إنك مأمورة وأنا مأمور اللهم احبسها علي) فتوقفت الشمس مكانها وظلت واقفة إلى أن فتحت المدينة ودخلوها.‏‏‏

توالى على بني إسرائيل بعد موت يوشع عدد من القضاة، وسمي عهد القضاة حتى تولى داوود ملك بني إسرائيل سنة 1004ق.م، واتخذ حبرون (الخليل) مقراً له، وقام بتوحيد دولته التي كانت مقسمة إلى كتلتين إحداها يتزعمها بنيامين والثانية بزعامة يهوذا. وبعد توحيد مملكته واستقرار ملكه أراد أن يقيم لنفسه عاصمة قوية وموقعاً محصناً، فوجد طلبه في مدينة يبوس، فهي وعرة المسالك للقادم من الأردن أو من البحر أو من الجنوب على حد سواء، وهي مسورة غير مكشوفة للغزاة، كما أنها كانت تتوسط مواقع القبائل اليهودية، وكانت اثنتي عشرة قبيلة متفرقة في البلاد. وبذلك يستطيع السيطرة على جميعها.‏‏‏

حاول داوود خداع أهل المدينة، حيث حاول الدخول سلماً، ولكن أهل المدينة حالوا بينه وبين الدخول، فاضطر أن يدخلها محارباً ويجتاز أسوار المدينة، ودخلها عام 966ق م. وكانت يبوس وقت ذاك تتمتع بوجود حكومة فيها وصناعة وتجارة وحضارة متقدمة، وهكذا أصبحت عاصمة لملكه. وأسماها مدينة داوود، وجعل اليهودية الديانة الرسمية في البلاد. ولم يخرج اليبوسيون من المدينة وتعايشوا مع وضع مدينتهم الجديد، وقد اتخذ داوود حصن صهيون اليبوسي مقراً له. وحسب الكتاب المقدس كانت الخدعة الحربية هي الدخول إلى القدس المنيعة الأسوار من خلال قنوات الماء حتى احتلوا حصن صهيون الذي أصبح مدينة داوود فيما بعد. وقد ذكر في كتبهم المقدسة أنهم لم يستطيعوا إخراج اليبوسين من أورشليم، وأنهم أقاموا معهم في تلك المدينة(2).‏‏‏

يقول سفر القضاة: (وبنو بنيامين لم يطردوا اليبوسين سكان أورشليم، فسكن اليبوسيون مع بني بنيامين في أورشليم إلى هذا اليوم)(3) وقد اقتبس بنو إسرائيل الكثير من الحضارة المقدسية، فتطورت حياتهم وتغيرت طريقة معيشتهم، وانتقلوا من حياة البداوة إلى حياة المدينة.. وقد غادر اليهود فلسطين على يد حملات غزو أخرى طردتهم منها، ثم عاد آخرون من أتباع الديانة اليهودية إلى فلسطين، وطردوا منها مراراً وتكراراً. وبالتالي لم تشكل أرضاً بمعنى وطن لهم، بل كانت محطة عابرة من جملة محطات. وهذا ما يُفسر عدم وجود تراث يخصهم في فلسطين، فإنتاج تراث يحتاج تواجد طويل الأمد واستقراراً على أرضٍ ما. أي أن الشعوب وحدها من تنتج التراث، أما حملات الغزو، فهي حالة عابرة تترافق مع مظاهر سلبية كالتخريب والعبث بالديموغرافيا.‏‏‏

واليوم تزود العديد من دول العالم الكيان الصهيوني بأدوات الغزو كافة من تكنولوجيا ووسائل إرهاب منظم من طائرات وصواريخ وأسلحة مختلفة بغية غزو الأرض والثقافة والعقول وتزوير التراث، وتُعطى مساحة هائلة عبر وسائل الإعلام العالمي للكيان الصهيوني، لغزو الشاشات برايته البيضاء والزرقاء ومزاعمه عن كونه دولة.. مما شكل أكبر تواطؤ دولي في تاريخ البشرية يهدف إلى حماية وتكريس أبشع عملية غزو وحشية.‏‏‏

ولم يسبق في تاريخ الغزوات العالمية أن تشكل هكذا كيان هجين غير متجانس واكتسب اعترافات رسمية به من قبل دول أخرى، فكلنا يعلم أن فكرة إقامة دولة على أسس دينية أضحت مرفوضة في العصر الحديث، وكلنا يعلم أن حملات هجرات اليهود المزعومين إلى فلسطين شملت هجرات من أوروبا ومن أفريقيا.. إلخ، مما يجعلنا أمام خليط عجيب ومتباين يزعم أنه شعب واحد ويدعي نقاء العرق، مع أن معظم نسله سيكون (خلاسياً).‏‏‏

ورغم مزاعم قيادات الكيان الصهيوني أن الدين اليهودي هو أبرز سمة جامعة للشعب اليهودي المزعوم، إلا أن السمة الحقيقية الجامعة لمعظم هؤلاء هو أنهم من الكُسالى والفاشلين ومحبي الكسب السهل الذين أغرتهم (دعايات) الكيان الصهيوني التي زعم من خلالها أنه سيمنح من يهاجر إلى فلسطين منزلاً وأرضاً زراعية وعملاً، مما جعل كل المتشردين والفقراء واللصوص والكثير من حثالة أوروبا يتهافتون زاعمين أنها يهودية وتجتاز أصقاع الأرض وصولاً إلى فلسطين.‏‏‏

والدليل على ما سبق أن الكثير من المهاجرين الذين جاؤوا قبل عام حقبة التسعينات، اصطدموا بأكاذيب الكيان الصهيوني وعجزه عن منحهم ما وعدهم به من أملاك.. فأقاموا مظاهرات وطالبوا بإعادتهم إلى دولهم، وبعضهم نجح في الهرب من فلسطين وهو يلعن الكيان الكاذب حتى هذا اليوم.‏‏‏

إن الكيان الصهيوني جمع الناس على كذبة وبكذبة ولأجل كذبة، مفادها أنه سيبقى وسيشكل دولة متحضرة ينعم شعبها المزعوم بالأمان والرفاه والاستقرار.. لكن وحتى هذه اللحظة يقوم اقتصاد الكيان على التسول ومساعدات دول استعمارية ساهمت في دعمه وتأسيسه، وفي حال قطعت جميع الدول الداعمة له مساعداتها، فإن اقتصاده سينهار خلال أقل من شهرين وفق ما يقوله الخبراء.. ما يجعله أكثر كيانٍ هش وغير متجانس سوسيولوجياً واقتصادياً وانثروبولوجياً، وبالتالي هو في حاجة مستمرة لهذا الزخم من الدعم الدولي، فهو جسد متهالك يعيش على أجهزة الإنعاش والعناية المشددة.‏‏‏

**‏‏‏

(1) رمضان. بسام، يوشع بن نون النبي الذي حبس الله له الشمس حتى يفتح بيت المقدس، المصري اليوم، 3 آب 2014.‏‏‏

(2) كفافي. زيدان، القدس عبر التاريخ، دمشق، وزارة الثقافة، 2011، ص56،‏‏‏

(3) سفر القضاة 21 : 1‏‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية