تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


المصباح عين الإنسان الثالثة

ملحق ثقافي
2018/7/3
د. محمود شاهين

تعرف الإنسان إلى المصباح Lamp بعد اكتشافه للنار التي تٌعتبر مع الصاعقة، من أولى الظواهر الطبيعيّة المنتجة للضوء، عدا عن أهميتها وضرورتها لحياته، حيث أدت ولا زالت تُؤدي، مهام عديدة وضروريّة فيها منها: الإضاءة،

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

وتجهيز الطعام، وتسخين المياه، والتدفئة، والتخلص من بعض الفضلات، وتوليد الطاقة المتعددة الوظائف، وإشعال السجائر والغليون والنرجيلة... وغير ذلك الكثير.‏‏‏‏‏

________________________________________________‏‏‏‏‏

أسماء مختلفة‏‏‏‏‏

أخذ المصباح عدة مسميات منها: السراج الذي يعني لغوياً المصباح الزاهر، والفتيلة الموقودة، والشمس، والقنديل (وهو مصباح من زجاج يشبه الكوب، فيه فتيل يُضاء بالزيت وغيره) وقد ورد ذكر المصباح في القرآن الكريم للدلالة على منبع أو مصدر ضوئي.‏‏

استخدمه الإنسان مبكراً، في تأمين الإضاءة ليلاً، أو في الأماكن المظلمة نهاراً، وقد حصل عليها في البداية من عملية حرق الحطب، ثم تطورت عملية تأمينها، فحصل عليها من الشعلة بإحراق عيدان الخشب المغمسة بمواد شحميّة أو زيتيّة نباتيّة وحيوانيّة، لإدامتها أطول مدة ممكنة. بعدها اكتشف المصباح، والسراج، والفانوس، والكاز، باستخدام أوعية من الزجاج أو المعدن أو الحجارة أو الخزف، مزودة بفتيل مغموس بزيت سائل قابل للاحتراق، وبالتالي توليد الضوء المطلوب.‏‏‏‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

رموز ودلالات‏‏‏‏‏

مع مرور الزمن، واكتشاف الإنسان لأهمية المصباح في حياته، والآفاق العلميّة والثقافيّة التي فتحها في عالمه ومستقبله، عندما قام بإسعافه في إضاءة مسكنه ليلاً، وإسعافه في السفر، وممارسة بعض المهام الليليّة كالزراعة والسقايّة والحراسة، واكتشاف الدهاليز والمغاور والمناجم المظلمة، ومن ثم مساعدته على تحصيل المعرفة، تحوّل إلى رفيق حميم، وصديق وفي، وعين ثالثة لطلاب المدارس، والباحثين، والفلاسفة، والعلماء، والكتّاب، والفنانين، في ليالي التحصيل والدراسة واجتراح فعل الإبداع المتعدد الأشكال والوسائل، الأمر الذي جعله يتحوّل من مجرد وسيلة بدائيّة بسيطة، للإضاءة وكشح العتمة من مرافق عدة في حياة الإنسان، إلى رمز للفكر والمعرفة والارتقاء والتقدم والاكتشاف والإبداع، ما دفع بالإغريق والعديد من الشعوب الأخرى، لاتخاذه شعاراً ورمزاً للفكر والتقدم. كما ارتبط بحكايات وأساطير عديدة منها حكاية علاء الدين والفانوس السحري وغيرها. ولأن المصباح أو القنديل يحمل كل هذه المعاني والدلالات، قام العديد من الجهات والمؤسسات العلميّة والفكريّة والإبداعيّة، في أيامنا هذه، باتخاذه رمزاً أو شعاراً لها، ومنها جامعة دمشق التي اتخذت منه ومن عبارة (وقل ربي زدني علماً) شعارها الذي قام بتصميمه في سبعينيات القرن الماضي، الفنان التشكيلي السوري الرائد محمود حمّاد، وهو مشكّل من دائرتين: صغيرة وتحوي قنديلاً مشعاً يوزّع النور في الاتجاهات كافة، وكبيرة تضم اسم الجامعة وعبارة (وقل ربي زدني علماً). وكان الكاتب المصري حلمي مراد قد اتخذ من القنديل الإغريقي شعاراً لدار نشره التي أطلق عليها اسم (كتابي) وثمة شواهد وأمثلة كثيرة، على اعتماد المصباح، رمزاً وشعاراً للعديد من الفعاليات والمؤسسات الفكريّة والإبداعيّة والتنويريّة والعلميّة. كما شكّل مادة لإبداعات متلونة كالقصص القصيرة، والقصائد الشعرية، والأعمال الفنيّة التشكيليّة والغنائية والموسيقيّة والروايات، نذكر منها (قنديل أم هاشم) للكاتب المصري يحيى حقي، و(المصابيح الزرق) للروائي السوري حنا مينة، وأوبريت (الليل والقنديل) لفيروز والأخوين رحباني... وغيرها الكثير.‏‏‏‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

نقلة نوعيّة‏‏‏‏‏

استمر المصباح أو القنديل أو الكاز أو اللوكس، في أداء مهامه كمصدر للإضاءة الرئيسة في حياة الإنسان (إضافة إلى الشموع) حتى منتصف القرن التاسع عشر، لدى بعض الشعوب، وحتى منتصف القرن العشرين لدى شعوب أخرى. أي حتى قبيل دخول الكهرباء إلى حياتها التي غمرتها بفيض من الضياء، قلبها رأساً على عقب. فمع الكهرباء، انتقل الإنسان إلى عصر جديد مدهش، حفل بالكثير من الاختراعات التي ولدت من رحمها، مشكّلة نقلة نوعيّة في حياة البشريّة. فمع اختراع الكهرباء، بدأت الولادة الفعليّة لعصر الآلة التي سرعان ما سيطرت على مرافق حياة الإنسان، مانحةً إياها كل هذا التقدم العلمي والتكنولوجي المدهش، وفي نفس الوقت، أغرقتها بالبرودة، والرتابة، والتكرار، جعلت الإنسان يعيش معها حالة من العطالة الجسديّة والفكريّة. وبعض هذه الاختراعات (كالقنابل الذريّة والنترونيّة والصواريخ العابرة للقارات) جعلته غير آمن على مستقبله ومستقبل الكوكب الذي يعيش فوقه، إذ مع اختراع الكهرباء، والتطور التقاني المذهل، تطورت أيضاً، وسائل قتل الإنسان، وتدمير الحياة، وإقصاء العوامل التي كانت تمنحه الفرح النقي، والسعادة الحقيقيّة، والعافية الجسديّة والفكريّة، من حياته.‏‏‏‏‏

لمحة تاريخيّة‏‏‏‏‏

بعد أن اهتدى الإنسان إلى مصدر الإضاءة البسيطة المتمثل بحرق الحطب، ومن ثم إلى الشعلة المشكّلة من عيدان الخشب المبلولة بمواد شحميّة أو زيتيّة متعددة المصادر، اكتشف الشموع والسراج والفانوس والكاز والمصباح والقنديل واللوكس، مستخدماً مشتقات البترول، والكحول، والغاز، في عملية الاحتراق وتوليد الضوء، بوساطة فتيل موضوع في وعاء حجري أو زجاجي أو معدني أو خزفي، كان يشتعل مباشرة في الهواء، الذي كان يُلوثه برائحة الاحتراق، وكانت الإضاءة التي تولدها مثل هذه الوسائل محدودة. بعدها اهتدى الإنسان إلى إحاطة الفتيل المحترق بوعاء زجاجي خاص، زاد من مقدرته على توزيع الإضاءة، وخفف في الوقت نفسه، من الروائح التي كانت تصدر من عملية احتراق المادة البتروليّة. بعدها جاء اللوكس الذي أخذ شكل أسطوانة تملأ بالكاز، وتُحقن بالهواء، بحيث يتم تسخين مجموعة الأنابيب الخارجة من الأسطوانة، وتبخر سائل الكاز (الكيروسين) المضغوط واشتعال بخاره أو غازه (حيث استعمل فيما بعد الغاز في إشعال اللوكس) ضمن قميص حريري محاط بالزجاج الذي يقيه من التيارات الهوائيّة ويساعده في بعثرة ضيائه في المكان الموجود فيه. بعد المصباح، والقنديل، واللوكس، تم اختراع المصباح الكهربائي المتوهج الذي ينسب إلى (توماس ألفا إديسون Thoms Edison) عام 1879 وذلك باستخدام سلك رفيع ملفوف منفذ من الكربون، مرر فيه تياراً كهربائياً فتوهج السلك واحمّر. وكما هو الحال في المصباح أو اللوكس، قام بإحاطته بواقيّة زجاجيّة مفرغة من الهواء لمنع تأكسده. وشيئاً فشيئاً، تطور المصباح الكهربائي، آخذاً طرزاً وأنواعاً وأشكالاً لا تُحصى، ومهام ووظائف عديدة منها: إضاءة المنازل، والشوارع، ووسائل النقل، والمنارات، والأبراج... وغيرها. أما عمليّة تصنيع المصابيح الكهربائيّة وآلية عملها وتوزيعها، فقد أصبحت علماً معقداً يُدرّس في الجامعات والمعاهد والمدارس، وهو في حالة دائمة من التطور، بحيث أصبح لكل مجال في حياة الإنسان المعاصر إضاءته الخاصة به. إذ أن إضاءة غرف الجلوس، تختلف عن إضاءة غرف النوم، أو المطابخ. وإضاءة المحال التجاريّة تختلف عن إضاءة المطاعم ونوادي الليل والمكاتب وصالات العرض والشوارع والأنفاق ووسائل النقل، وأمام الإنسان بعد المزيد من الإضافات التي يمكن أن يحدثها على هذا الصعيد.‏‏‏‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

كما طاول المصابيح ووسائل الإضاءة المختلفة، تحسينات جماليّة وفنيّة عديدة. فقد تبارى الفنانون والمصممون في تزويقها وزخرفتها، وابتكار أشكال جديدة منها، ارتبط بعضها، وبشكل وثيق، بالعصر الذي وُلدت فيه، بحيث وثّقت للذوق الذي ساد في ذلك العصر.‏‏‏‏‏

إضافات دائمة‏‏‏‏‏

شهدت المصابيح الكهربائيّة خلال العقود القليلة الماضية، تطورات مدهشة، بحيث أصبحت أنواعاً وأشكالاً وطرزاً لا تُحصى ولا تُعد، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: مصابيح الصوديوم ذات الضغط العالي، ومصابيح التفريغ العالي الكثافة، وهذه تتفرع إلى مصابيح ميتال هاليد بقطب إقلاع، ومصابيح الإقلاع النبضي، ومصابيح ميتال هاليد الخزفيّة. ولهذا فقد أصبحت الإضاءة الناجحة والمتوائمة مع المكان، بحاجة إلى مختص بالإضاءة نفسها، وآخر مختص بالعمارة الداخليّة والخارجيّة، إذ صار لكل منشأة (معامل، مكاتب، منازل، مسارح، مطارات، محطات، مشافي، قاعات عرض واستقبال، شوارع) طريقة ووسيلة إضاءة مختلفة عن الأخرى، في شكلها ولونها وشدة الضوء الذي تصدره. يضاف إلى ذلك، وجود مصابيح خاصة كالمصابيح المتوهجة التي يستخدم بعضها في طرد الحشرات، وفي الأفران الحراريّة، والبرادات، وآلات الخياطة. ومصابيح الفلورسنت التي تستخدم في أحواض السمك، ومكافحة التلوث، والطب. ومصابيح ميتال هاليد التي تستخدم في الزينون النبضي والأبنية، ومصابيح الهالوجين المنتشرة في المسارح واستوديوهات التصوير الضوئي والسينمائي، والأشعة تحت الحمراء، والحراريّة، والإسقاط الضوئي، والفيديو، والأجهزة الطبيّة العينيّة. والمصابيح التحريضيّة المتميزة بعملها لساعات طويلة تصل إلى ما يربو على 6000 ساعة. والمصابيح الاقتصاديّة، أو ما يُعرف اليوم بمصابيح توفير الطاقة، وهي على هيئات وأشكال مختلفة.‏‏‏‏‏

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

أصبحت الإضاءة اليوم اختصاصاً قائماً بذاته، يساهم فيه المهندس والفنان، وفقاً لمكان وجودها، والوظيفة المُناطة فيها.‏‏‏‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية