تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


البهلوان

ملحق ثقافي
2018/7/3
رانيا عثمان

داخلها ثوب مقفَع لكن الضوء يسكنه، يحوم حولها ظل عتيق، تصنع المسافات خوفاً من عتمة الحنين إليه، ترفض همجية الأقدار المخبأة، استسلام مقدر أم إرادة صلبة اختيار يحير أصابعها،

‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏‏

وجوه تدور في مخيلتها تستسلم عند إحداها لتونع الذكريات لبضع دقائق ليراودها إحساس بقدوم أحدهم فتسرع بترتيب المكان خوفاً من المتطفلين، تسيطر على أنفاسها الملتهبة فللجدران والأسقف آذان لا ترحم، فالخوف موروث يأكل عشب الأرض وتربته، والصمت يجلب راحة الأبدان فقط، سرير بلا وسائد فآلام الظهر تحتاج إلى الاستلقاء باستقامة وأي انحناء آلام لا تحتمل، والروح تأبى الاستقامة، ترفع قدميها على حائط علقت عليه جميع أعمالها الفنية مقلبة بأصابع قدميها ماضيها وحاضرها، يراودها الضحك أحياناً والبكاء أحياناً أخرى. تغمض عينيها لتجد نفسها غارقة في مستنقع مجهول الملامح تصرخ وتصرخ، تسقط قطرة ماء على عينها اليمنى متدلية من سقف غرفتها المنتشي بمياه الخزان الباحثة عن لقائها المشتهى لتوقظها من حلمها المشؤوم، فتنهض مسرعة الى السطح لتنقذ ما تبقى من اسمنت في داخلها، تنظر إلى عناقيد العنب المتدلية تغمرها سعادة راحلة تعيدها إلى لقائها الأول، فقد كان شهياً بما يكفي ليكفن أوجاع الحياة بأغصان الياسمين، لكن الياسمين يلفظ أنفاسه باكراً وتبقى رائحته متصلبة في الأبدان، تقطع بأظافرها عنقوداً أغراها كبر حباته واحمرار وجناته، وتعود أدراجها إلى غرفتها اليتيمة تسدل ستائر النافذة وتلقي بجسدها على سريرها. تراودها رغبة في إشعال النار لتدفئ ما تبقى من لحم وروح، تجمع ما لديها من لوحات وأعمال نحتية وتضعها على سريرها الخشبي وتضرم النار بها، وتجلس بالقرب منها ترقب دخان تعبها وسهرها وعنادها وجنونها بسعادة المنتصر الخائب. تضع حبة عنب في فمها تداعبها في لسانها تسكنها الخد الأيمن فترتسم على شفتيها ابتسامة رجل عجوز مصاب بشلل نصفي، فتقطع حبة ثانية وتأخذها إلى جدار خدها الأيسر، ليكتمل وجه بهلوان يليق به الفرح.‏‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية