المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، ذلك الأمر الذي يتعارض مع ما سبق وأن أبدته الولايات المتحدة منذ 41 سنة على اعتبار وجود تلك المستوطنات مخالف للقانون الدولي.
هذا القرار في مضمونه يعتبر اختصاراً للسياسة الأميركية حيال النزاع الفلسطيني -الصهيوني وفي الحين الذي يدعي به البيت الأبيض حرصه البالغ على التقدم في عملية السلام نجده يمنح الكيان الغاصب الموافقة الضمنية على تكريس الحكم العسكري الوحشي وتطبيقه على ما ينوف عن 3 ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية، الأمر الذي يقوض آمال الفلسطينيين باستعادة ارضهم وحقوقهم في سيادة دولتهم.
عكفت الإدارة الأميركية على ازدراء القانون الدولي وأعطى اعترافها الأخير دليلاً قاطعاً على الوضع المزري لهذه الإدارة، الأمر الذي بدا جلياً عبر تطبيعها المستمر لممارسات الاحتلال الإسرائيلي غير المشروع، ونستذكر في هذا السياق، مباركة الولايات المتحدة لاتفاقيات أوسلو للسلام التي مضى ربع قرن على عقدها بين حكومة الاحتلال الإسرائيلي ومنظمة التحرير الفلسطينية، وكان الهدف منها إيجاد حل للقضايا الأساسية الأربعة المتنازع عليها ألا وهي: القدس واللاجئين والأمن والحدود. ففي البداية عمدت إدارة ترامب إلى نسف صيغة عاصمتين لدولتين عندما نقلت السفارة الأميركية من( تل أبيب) إلى القدس، ثم حاولت إبعاد قضية اللاجئين عن طاولة المفاوضات من خلال خفض تمويل الأونروا (وهي هيئة تابعة للأمم المتحدة تقدم خدمات للاجئين الفلسطينيين)، وفي هذا الصيف وقف السفير الأميركي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، مطالباً باحتفاظ حكومة نتنياهو بوادي الأردن وهو أحد النقاط العالقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين حول الأمن، وفي الوقت الراهن جاء تصريح بومبيو ليقوض فكرة استناد الحدود إلى خطوط ما قبل عام 1967، ونتبين من ذلك أنه منذ تسلم إدارة ترامب مقاليد السلطة فإنها لم تدخر جهداً إلا وبذلته ضد الفلسطينيين ومؤسساتهم.
لا ريب أن الهدف من اتخاذ تلك الخطوات يتمثل في تمهيد السبيل أجزاء من الضفة الغربية الى الكيان الصهيوني، الأمر الذي تعهد به نتنياهو، إذ نجده يبذل كافة المساعي من أجل بقائه السياسي ولاسيما في ضوء ما يواجهه من اتهامات في قضايا جنائية متعددة، وبذلك فإن خطة ترامب للسلام أو ما يسمى (صفقة القرن) ليست سوى هدية إلى المتشددين اليمنيين وتقديم الدعم السياسي لرئيس وزراء الاحتلال الذي فشل في تشكيل حكومة بعد جولتين من الانتخابات التي لم يتحقق له الفوز بأي منهما.
لكننا نرى بأن ما اتخذ من إجراءات في الآونة الأخيرة يتعلق بالمكاسب الشخصية بالنسبة لترامب ونتنياهو إذ إن كليهما غارق في التحقيق جراء سلوكهما الإجرامي شبه المؤكد، كما يكمن الهدف من الخطوة الأخيرة إنقاذ الحياة السياسية لنتنياهو وشراء ترامب لدعم اللوبي اليهودي وخاصة في هذا الوقت الحرج الذي يمر به كل منهما، ومنطقياً فإن اتباع النهج الجديد جاء لتعزيز هدفي رئيس وزراء دولة الاحتلال والرئيس الأميركي على حد سواء.
وفي هذا السياق، يقول الصحفي بريان ريفي في جريدة ذي اندبندنت البريطانية: (لماذا تتيح الولايات المتحدة لإسرائيل بالسير في طريق التوسع الاستيطاني)؟
من الواضح أن ثمة مصلحة للإدارة الأميركية الحالية بتشجيع اتباع سياسات الضم الإسرائيلية قصيرة النظر، فربما كان المقصود منها تحسين العلاقات مع نتنياهو أو رغبة ترامب التملق للمانحين اليمينيين المتطرفين الموالين لإسرائيل والفوز برضاهم، أو نظراً لدور السفير الأميركي في إسرائيل الذي يسعى لصياغة سياسة أميركية إسرائيلية جديدة وربما أن السبب مزيج من كل ما ذكر، ومهما كانت الأسباب، فإن هذا الإعلان يمثل استمراراً للتوجه الأميركي العام القائم على تهميش الفلسطينيين وإعادة صياغة اتفاقية الوضع النهائي بناء على المواقف الإسرائيلية غير المقبولة.
في الأحوال التي يحدث بها ضم المستوطنات، فمن المؤكد أن إسرائيل ستعمد إلى استبعاد أربعة ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة الغربية وغزة وبتصرفها هذا فإنها تصادق ضمنياً على حل الدولة الواحدة وتنكر حقوق المواطنين الفلسطينيين الذين لن يكون لديهم استعداد لتقبل الهزيمة والموافقة على اتفاقية سلام تجردهم من طموحاتهم بإقامة دولتهم، علماً أن واشنطن قد سبق لها وصف تلك المستوطنات بغير الشرعية وطالب الفلسطينيون بضمها إلى دولتهم المستقبلي،ة الأمر الذي حظي بالدعم من الأمم المتحدة والحكومات الأوروبية.
يحذر بعض الخبراء بأن ما اتخذته الإدارة الأميركية من قرار سيؤدي إلى تآكل الآمال في التوصل لحل الدولتين وسيفضي إلى تفاقم الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ولاسيما في ضوء غياب أي مقترح بديل تتقدم به تلك الإدارة.
وفي هذا السياق، قال مدير برنامج الأمن في الشرق الأوسط في مركز الأمن الأميركي الجديد إيلان غولدنبرغ (ثمة العديد من التداعيات التي ستنجم عن هذا القرار، لكونه قلب السياسة الأميركية رأسا على عقب دون سبب وجيه ولكونه يقوض الدور الأميركي كوسيط موضوعي في هذا الصراع)، وقد شبه غولدنبرغ هذه الدبلوماسية بمسابقة غير عادلة في أكل فطيرة، حيث يتفاوض أحد المنافسين على كيفية التشارك بها بينما الأخر مشغولاً بتناولها.
في ضوء ما سلف ذكره يتبين أن السياسة الأميركية تؤكد بشكل قاطع أنه لم يعد هناك أي احتمال واقعي لإيجاد حل للدولتين ينهي الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وأنه إن لم تقم إسرائيل بدفن هذا الحل فالولايات المتحدة لن تدخر جهداً للقيام بذلك، ولا ريب أنه في حال استمرار التوسع الاستيطاني دون فرض ضوابط وقيود عليه، فسيكون لهذا الامر تداعيات وخيمة على القرى والبلدان والمدن الفلسطينية لكون تلك المستوطنات ستقطع طرق التواصل والتجارة والمياه والموارد الأخرى بين المناطق الفلسطينية أكثر مما هي عليه في الوقت الراهن، الأمر الذي سيزيد من شقاء الشعب الفلسطيني، ما يدفع به لخوض صراع مرير لا تحمد عواقبه، ولا شك أن الأحرار من العرب والشرفاء في العالم أجمع سيصطفون إلى جانب الشعب الفلسطيني في المحنة التي سببها إسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة.