يشغل اهتمام الباحثين والسياسيين العرب والأميركان على حد سواء, فالعديد من الأميركيين يعتقدون أن تبني أميركا لمواقف تتلاءم مع المصالح الإسرائيلية يعود إلى تماثل المصالح بينهما, بينما يعتقد العرب بأن السبب الرئيسي يعود إلى الدور الذي يلعبه اللوبي الصهيوني ومجموعات الضغط اليهودية على صانعي القرار في الولايات المتحدة, رغم أن مصالح الولايات المتحدة لا تتفق دائما مع المصالح الإسرائيلية في الشرق الأوسط, ويشير أصحاب الرأي الأميركي إلى أن جهود ونشاط اللوبي الصهيوني يعزز ويحافظ على المصلحة العامة الأميركية ويبررون رأيهم هذا بأن لدى واشنطن وتل أبيب مصالح ومبادىء مشتركة, ويسوقون للرأي القائل بأن أميركا وإسرائيل حلفاء فيما يسمى بالحرب على (الإرهاب) وتجمعهما مبادىء الحرية والديمقراطية والقيم الغربية وكلتاهما تسعيان لترسيخها في المجتمعات الأخرى الأقل تطورا والتي تسود فيها أفكار وسياسة يصفونها أحيانا بالديكتاتورية وأحيانا بالشمولية أو بالصفتين معا, ولكن العديد من الشخصيات والمفكرين الأميركان أبدوا رفضهم لهذا الرأي مؤكدين بأن التوجه الأميركي بالدعم اللامحدود لإسرائيل يعتبر فكرا وسلوكا خاطئا لم يخدم المصلحة الأميركية على خلاف ما يروج له أقطاب السلطة في الولايات المتحدة الذين يحاولون التأكيد بأن استمرار السياسة الأميركية هذه لها مبرراتها الواقعية, لأنه لا يوجد بلد عربي ولا أي نظام عربي مهما بلغ من ولاء لأميركا يمكن الوثوق به حتى النهاية في ضمان المصالح الأميركية في الشرق الأوسط.
ولهذا فقد طالب العديد من السياسين الأمريكيين بالبحث الجدي في تغيير هذه السياسة إلى سياسة تستجيب فعلا للمصالح الأميركية, ويستند هؤلاء الساسة إلى حقائق هزائم وخسائر أميركا الفادحة في عهد المحافظين الجدد المدعومين من اللوبي الصهيوني الذي يمثل قوة أساسية في عملية صنع القرار الأميركي والذي استطاع محاصرة النقاشات الدائرة حول مستقبل السياسة الأميركية في الشرق الأوسط في سعي منه للحفاظ على استمرارية الدعم الأميركي لإسرائيل بغض النظر عن المصالح الأميركية.
ونجاح اللوبي في توجهاته هذه يعود أيضا إلى قدرته على ممارسة الضغط على أعضاء الكونغرس بواسطة التبرعات المالية السخية وكذلك بتهديد نجاح هذا العضو أو ذاك في الانتخابات, وعن طريق تأمين متعاونين ومتعاطفين مع اللوبي الصهيوني داخل مؤسسات وسائل الإعلام الأميركية عن طريق شراء الذمم والأقلام وتوظيف الموالين له في هذه المؤسسات .
وأخذت وسائل الاعلام هذه تشن حملة ضد كل من يقف أو يفكر بالوقوف أو ينتقد السياسة الأميركية الموالية لإسرائيل والتهم جاهزة, العداء للسامية.
ومن أهم منظمات اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة كما هو معروف, (إيباك) أو اللجنة الأميركية الإسرائيلية للعلاقات العامة ومؤتمر رؤساء المنظمات الأميركية اليهودية الكبرى والمؤتمر كيان كبير يمثل 51 منظمة يهودية أميركية بما فيها(إيباك) واللجنة اليهودية الأميركية والمجلس اليهودي الأميركي, ولكن نشاط أبواق الدعاية الصهيونية التي قادها ويقودها اللوبي لم تحول دون ارتفاع الأصوات المنتقدة للسياسة الأميركية الموالية لإسرائيل والتي أساءت لأميركا ولا سيما أن إسرائيل كانت أحد العوامل المحرضة للحرب على العراق, هذه الحرب ونتائجها الكارثية على أميركا دفعت المجتمع الأميركي للتساؤل: ما الذي دفع أميركا لهذه الحرب? ومن الذي كان وراء هذا القرار الأخرق? ومن روج للمعلومات الملفقة التي استخدمت كذريعة للحرب ضد العراق, يقول الأميركيون إن اللوبي الصهيوني ساهم في دفع أميركا لغزو العراق تحقيقا لمصالح إسرائيل والتي في جوهرها لا تتناقض مع مصالح الشركات الاحتكارية الأميركية الكبرى ولكنها تتناقض مع مصالح الشعب الأميركي, وتشير بعض الدراسات في الولايات المتحدة إلى أن أميركا تواجه مشكلات عميقة في العالم العربي والإسلامي جراء سياستها في العراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان وعدائها لإيران الخ, كل ذلك سبب أزمة عميقة للمشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة والعالم, ما يهدد المصالح الأميركية في الشرق الأوسط أكثر مما هي مهددة اليوم , كل ذلك مهد الأرضية لنجاح الديمقراطيين وهزيمة المحافظين الجدد والرئيس بوش الذي يحاول التغطية على هزيمته المعنوية والواقعية بالهروب إلى الأمام بقراره بإرسال المزيد من الجنود الأميركان إلى العراق في الوقت الذي يطالبه الديمقراطيون بوضع جدول زمني للانسحاب, ويجد الدعم لموقفه هذا من قبل إسرائيل واللوبي الصهيوني وخاصة وأن منظمة (إيباك) أكثر ميلا للحزب الجمهوري وللرئيس بوش.
وأبدى بعض العقلاء في أميركا والحريصون على المصلحة الأميركية رغبتهم بأن يشاهدوا سياسة أميركية في الشرق الأوسط وسياسة خارجية عموما أكثر تماشيا وانسجاما مع المصالح الأميركية وهذا ممكن بمواجهة ضغط اللوبي الصهيوني الذي يمثل المصالح الإسرائيلية على حساب المصلحة الأميركية, ولكن تغيرات ملموسة بهذا الشأن لا يمكن أن تحدث بالسرعة التي يرغبها بعض الأميركيين الحكماء ولهذا على الأغلب سيستمر الجدال والاختلافات بين هذين الاتجاهين, وربما سيتم الحسم في الانتخابات الرئاسية القادمة المقررة في العام 2008 فيما إذا أسفرت كما هو متوقع إلى هزيمة المحافظين الجدد والرئيس بوش!!