وأصبحت بحق من أهم التكتلات العالمية قوة وتأثيراً ونفوذاً أمام القطب الأميركي الذي فرض نفسه قوة كونيه بعد سقوط الاتحاد السوفييتي يسعى في إطار مشروعه الاستعماري الجديد إلى السيطرة على العالم والتفرد به دون أي منازع.
لكن على الرغم من النجاح الذي حققته الدول الأوروبية في خطواتها تلك إلا أن الأوروبيين مازالوا على يقين بأن تحديات داخلية وخارجية مازالت تنتظرهم وهي اليوم أشد خطورة عليهم عما كانت عليه أيام المعسكرين الشرقي والغربي. إذا ما أرادوا أن يكونوا قوة دولية مؤثرة في عالم الغد أما التحدي الداخلي للاتحاد الأوروبي فأشار إليه مجموعة من الخبراء الأوروبيين أنفسهم ألا وهو تزايد معدلات المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية بين الدول ال 25 الأعضاء الحاليين بالاتحاد إضافة إلى الاتفاق المطلوب في رسم السياسة الخارجية للاتحاد حيال المشكلات والقضايا الدولية والتعامل معها في إطار موقف واحد ليس لأحد الحق في أن يغرد خارج سرب الاتحاد.
كما أن الاتحاد الأوروبي مازال يعاني إلى اليوم من تحديات للوصول إلى مشروعه الأوروبي الموحد بأهدافه النهائية فانضمام الدول الأوروبية الفقيرة التي كانت محسوبة على المعسكر الاشتراكي السابق يرخي بظلاله على أوروبا الموحدة وكل البوادر تشير اليوم إلى أن أوروبا بدأت عليها ملامح الانقسام( أوروبا الغنية وأوروبا الفقيرة )وأصبحت أوروبا الغنية والمصنعة تشكو من تبعات انضمام دول أوروبا الفقيرة حيث بدأت جيوش المهاجرين والمتاجرين بالمخدرات تغادر منها باتجاه الخارطة الأوروبية الفنية وهم يحملون سمومهم البيضاء ورقيقهم الأبيض وهو مابدأ ينتج عنه العديد من المشكلات الاجتماعية التي تطفو على السطح وتشكل تهديداً داخلياً لتلك المجتمعات لايمكن السكوت عليه.
كما أن النهوض بدول أوروبا الفقيرة كي تتساير وتتعايش مع دول أوروبا الغنية يتطلب كما يقول أصحاب الشأن رساميل كبيرة للغاية قد لا تستطيع هذه الدول الغنية تحملها أو توفيرها على المدن المتوسط إضافة إلى أن الدول الأوروبية الغنية مازالت تشكو إلى اليوم من تزايد الهجرة الافريقية إليها أو من دول العالم الثالث ولعل حقوق هذه الجاليات وقوانين تعاملها مع الأوروبيين أنفسهم ومستوى معيشتهم ومدى تأثيرها على المجتمعات الأوروبية سلباً أم ايجاباً كل ذلك بدأ يطفو على السطح وأصبحت هذه القضية في طليعة التحديات التي تواجه أوروبا. ولعل أحداث فرنسا العام الماضي وهولندا وايطاليا غنية عن التعريف فيما وصلت إليه من سوء.
أما التحدي الجوهري لأوروبا للاضطلاع بدورها كقوة عالمية فهو التحدي الخارجي أمام المارد الأميركي الذي لا يعترف لا بالصغار ولا بالمراهقين, السياسيين على حد وصف سياسيين أوروبيين ولذا فإن أوروبا لن يكون لها أي دور يذكر أمام هذا المارد إذا لم تكن في خانة الكبار وإلا فهي ستواجه خطر التلاشي وبالتالي التبعية المطلقة لذاك الغول الأميركي إن الأوروبيين يدركون جيداً أن الولايات المتحدة هي التي أشرفت على بعث الحياة في دولهم عقب الحرب الكونية الثانية حيث عملت أميركا منذ ذاك اليوم وإلى اليوم لبناء أوروبا موالية لها. ولعل الانحناء الأوروبي الحالي أمام واشنطن دليل على نجاح الفعل الأميركي في أوروبا. حتى إن دراسة أميركية خاصة صدرت في العام الماضي أشارت إلى أن واشنطن وعقب الانتهاء من صدامها مع العالم الاسلامي فهي مرجحة للدخول في صدام آخر مع أوروبا أو غيرها من المجموعات الدولية مادام الصدام هو المرتكز الأول والأخير للسياسة الأميركية وعنوانها في السر والعلن.
وفي دراسة لوكالة الاستخبارات الأميركية أظهرت أن تصاعد حدة التوتر بين أميركا وأوربا قد يؤدي على المدى المتوسط إلى انهيار التحالف بينهما ورجحت هذه الدراسة أن يكون عام 2015 هو عام الطلاق بين الجانبين. أضف إلى ذلك أن أصواتاً أوروبية رسمية وغير رسمية بدأت مع عهد الرئيس الأميركي جورج بوش تتحدث عن لاعقلانية السياسة الأميركية في بعدها السياسي والاقتصادي وانعكاس هذه السياسة سلباً على العلاقات الدولية وعلى النسيج الاقتصادي العالمي. ولعل رفع الضريبة الأميركية السنوية على صادراتها الثقيلة لأوروبا وكذلك رفع الضريبة على الواردات الأوروبية من الصناعات الثقيلة أيضاً خير شاهد على تباين المواقف والتطلعات الأمر الذي حفز كتاباً أوروبيين على التحدث عن قلقهم من محاولة واشنطن احتواء الساحة الكونية لصالحها وعدم سماعها أو إصغائها لحلفائها الأوروبيين إضافة إلى امعان واشنطن في تفردها المطلق في صناعة القرار العالمي على مقاساتها وحدها وتجاوزها المؤسسات الدولية دون أي اعتبار لحلفائها الأوروبيين.
ولعل الصحف البريطانية وكبار ساسة بريطانيا من الحكومة أو المعارضة على حد سواء الذين شنوا ويشنون يومياً حملات ضد رئيس الحكومة البريطانية طوني بلير لانقياده الأعمى لأوامر الرئيس بوش خير دليل على الرفض الأوروبي لهكذا دور أميركي لاينظر إلا لمصالحه فقط.
حتى إن بعض الصحف البريطانية اعتبرت بلير أنه حامل الحقيبة الأميركية الصغير. ولعل مثل هذه الحملات بدأت تتسع دائرتها في دول أوروبية أخرى ووصفها البعض من الأوروبيين بأنها مقدمة لانشقاقات كبيرة في جدار العلاقات الأوروبية الأميركية كذلك الأوروبيون لايخفون سراً اليوم من أن الأغلبية منهم بدأت تتخوف من أن أميركا في ظل سياستها ودورها الانفرادي الحالي يبدو أنها لن تسمح بأن تمضي أوروبا الموحدة اقتصادياً وسياسياً قدماً في اكمال مشروعها إلى النهاية لأن ذلك سيجعلها أي أوروبا أكبر منافس حقيقي لأميركا ولاسيما أن هناك كتلاً دولية أخرى تتحفز لمقارعة أميركا كالصين واليابان وغيرها من التكتلات الدولية والاقتصادية ولعلنا نستذكر ماقاله الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون في كتابه المعروف بعنوان أميركا والفرصة التاريخية وكذلك مفكرون أوروبيون من أن أميركا مثلما ساهمت على قيام أوروبا بعد الحرب الكونية الثانية لمواجهة الخطر الشيوعي فإنها قد تتخلى عن تحالفها مع أوروبا إذا تحولت من كتلة تابعة إلى منافسة . ولهذا بدأ التخوف الأوروبي يظهر مجدداً من أميركا ليس من أدائها السياسي والاقتصادي فحسب بل أيضاً من ذوبان أوروبا وثقافتها وخصوصيتها الفكرية والثقافية خصوصاً في ظل سيطرة الفيلم الأميركي والأغنية الأميركية والايقاع الحياتي الأميركي على مجمل وسائل الإعلام الغربي والعالمي أيضاً. ومثلما يتحدث العرب اليوم والعالم الاسلامي أيضاً عن غزو ثقافي لعولمة أميركا وأوروبا باتجاههم فالأوروبيون أيضاً لايقلون عن مستوى الشكوى العربية والاسلامية هذه ويعلق الكثير من الأوروبيين في الوسط الثقافي والفكري بأن مثل هذه الشكوى الأوروبية من هول الضغط الأميركي على بلادهم الأوروبية قد يمهد لإقامة جدار برلين مجدداً لكن ليس بين الألمانيتين بل بين أميركا وحليفتها أوروبا.
وإذا كانت هذه أوروبا بعظمة لسانها تشكو من السيطرة الأميركية وغلوائها وهي الحليف الوديع لها فحريٌ بالعرب أن يكونوا الأسبق في البحث عن ذاتهم وهويتهم وتوحيد كلمتهم أمام هذا الشيطان الأميركي وغيره من قوى التحالف الغادر ضد وجودهم ومستقبلهم.