جاء تركيز السيد الرئيس بشار الأسد في حديثه لشبكة (PBS) الأميركية على أن المقاومة هي الرد الطبيعي لوجود الاحتلال عبر قوله:ما دام هناك احتلال هناك مقاومة, جاء ليؤكد على حقيقة غاية في الوضوح لمن أراد الفهم الموضوعي للأمور التي تجري في عالمنا المعاصر, وفي منطقتنا بشكل خاص, وهي أن المقاومة تمثل من حيث السياق التاريخي والمنطقي النتيجة الطبيعية بل والحتمية لواقعة الاحتلال الأجنبي لأراضي الغير.. والقفز أو التعامي عن هذه الحقيقة إنما يعني في المحصلة تغليباً لمنطق القوة على منطق الحق والقانون.. ومن هنا فإن الحكم الموضوعي قيمياً أو أخلاقياً أو قانونياً على ظاهرة (مقاومة الاحتلال) لابد له من أن يأخذ بعين الاعتبار أنها ظاهرة جاءت نتيجة لسبب رئيسي بل ووحيد يتمثل في واقعة ( الاحتلال) فما مدى شرعية المقاومة على ضوء مبادىء القانون الدولي المعاصر وقرارات الشرعية الدولية..
أولا: أحكام القانون الدولي في الاحتلال
نصت المادة-42- من لائحة لاهاي الرابعة لعام 1970 والمتعلقة بقوانين وأعراف الحرب على مضمون الاحتلال الحربي, من خلال تعريفها للإقليم المحتل, بأنه:(يعد الاقليم ممثلاً عندما يصبح خاضعاً بشكل فعلي لسلطة الجيش المعادي, ولا يمتد الاحتلال إلا إلى الاقاليم التي تقوم فيها هذه السلطة وتكون قادرة على تدعيم نفوذها) ومن هنا فإنه لكي يقال إن هناك حالة (احتلال حربي) فلابد من توافر ثلاثة عناصر محددة هي 1- قيام حالة حرب وعداء مسلح بين قوات دولتين تتمكن فيها إحداهما من غزو أراضي الدولة الأخرى واحتلالها كلياً أو جزئياً2.-قيام حالة فعلية مؤقتة مؤداها احتلال القوات الأجنبية لأراضي الدولة الأخرى واخضاعها لسيطرتها المادية والعسكرية.. 3- أن يكون هذا الاحتلال مؤثراً من حيث إدارة الاقليم الممثل والسيطرة عليه..
4-لقد تطورت النظرة إلى مسألة الاحتلال الحربي, والآثار الناجمة عنه بتطور النظرة إلى استخدام القوة في العلاقات الدولية..
وتغير الأمر كثيراً مع نهاية الحرب العالمية الأولى وإقرار ميثاق عصبة الأمم لعام ,1919 ومن ثم ميثاق باريس لعام 1929 وظهور نظرية(ستيمسون) وزير الخارجية الأميركي عام 1932 القائلة بعدم مشروعية الاعتراف بالأوضاع الاقليمية الناشئة عن استخدام القوة العسكرية أي الاحتلال إلى أن أصبح الأمر أكثر وضوحاً وحسماً في ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945 والذي حظر بموجبه استخدام القوة في العلاقات الدولية وبالتالي في اعتبار الاحتلال الناجم عن ذلك أمراً باطلاً وغير مشروع, ويمثل جريمة عدوان مستمرة.. وهذا ما تأكد في العديد من القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة بهذا الخصوص.. وعلى ذلك فإن حالة الاحتلال الحربي وقفاً لقواعد القانون الدولي المعاصر وقرارات الشرعية الدولية, تترتب عليها الآثار التالية كنتيجة لاعتبارها أمراً باطلاً:
1- الاحتلال الحربي يشكل حالة فعلية مؤقتة, ينجم عن انتهاك احدى الدول للقانون الدولي بعدوانها وغزوها لأراضي دولة أخرى واحتلالها كلياً أو جزئياً لها..
2-الاحتلال لا ينقل السيادة: بل تبقى السيادة للدولة الأم محفوظة ومصونة,إلى حين استرداد الأراضي المحتلة.
3- الاحتلال لا يجيز الضم: وبالتالي فإن كل تصرف أو إجراء من شأنه تهديد وحدة الأراضي الوطنية المحتلة أو إلحاقها أو ضمها لأراضي الدولة الغازية المحتلة يعتبر تصرفاً وإجراء باطلاً ويعتبر كأنه لم يكن.. كنتيجة مباشرة لقاعدة عدم تمكين المعتدي من قطف ثمار عدوانه..
ثانياً: مشروعية المقاومة كنتيجة للاحتلال:
المقاومة هي التعبير الحي عن البقاء, والصنو المرادف للحياة, والحقيقة المساوية لجوهر الوجود, أو استمرار الانسان ذاته إلا نتاجاً لعوامل المقاومة والبقاء ضد أسباب الفناء وعوامل الهلاك. إذ ما إن تنتهي منه سمات المقاومة وصفاتها, وإرادة البقاء وأدواتها, فسيحكم عليه بالموت والانتهاء وكذا الأمر بالنسبة للشعوب والأمم والدول..
ولقد أصبح من المسلم به أن لكل الكائنات الحية دافعاً يدفعها إلى المحافظة على ذاتها واستقلالها وتظهر على البشرية- أفراداً ومجموعات- تبعاً لذلك , سمتا إرادة الحياة وإرادة الحرية. ويعبتر حق الحياة أو البقاء وحق المقاومة أو الدفاع عن النفس من حيث النتيجة وجهين لعملة واحدة باعتبارهما حقين مترابطين لا يقبلان التجزئة أو الانفصال والتنازل.. إذ لا معنى للتأكيد على حق الحياة والبقاء سواء للأفراد أو الشعوب, دون أن يستتبع ذلك إعادة التأكيد على الوسيلة المؤدية للحفاظ على هذا الحق, ألا وهي وسيلة الدفاع والمقاومة ضد الأسباب التي تعرض هذا الحق للخطر أو الفناء أو الانتقاص. وما ذلك إلا لإعتبار أن حق المقاومة والدفاع, يمثل حقاً طبيعياً متأصلاً وملازماً للبشر- فرادى ومجموعات- يقوم عند حدوث أي اعتداء وانتهاك للحقوق التي يتمتعون بها..
وعلى العموم فإن المقاومة تتدرج ابتداء من أدنى أشكالها, والمتمثلة في المقاومة السلمية بدون عنف لتصل إلى ذروتها بالمقاومة المسلحة والنضال العنيف لاسترداد الحقوق المغتصبة واستعادة الأراضي المحتلة.ويتأسس حق مقاومة الاحتلال, على مبدأىن اساسيين, من المبادىء التي يقوم عليها القانون الدولي المعاصر ويؤكد عليهما, وهما مبدأ الدفاع الشرعي عن النفس, والمؤصل في نص المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة وكذلك مبدأ أو حق الشعوب في تقرير المصير.. هذا فضلاً عن الكثير من القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة والتي تؤكد في مجملها على حق الشعوب التي احتلت أراضيها أو وقعت تحت أي شكل من أشكال الاستعمار والاستغلال, بالتخلص منها واسترداد حقوقها المغتصبة بأن الحروب التي تناضل بها الشعوب ضد الاحتلال الأجنبي والنظم الاستعمارية والعنصرية واستعادة أراضيها المحتلة وفي اعتراف وإقرار البرتوكول الإضافي الأول لعام 1977 هي حروب دولية. تخضع للقانون الدولي الإنساني وهذا ما يضفي على حركات المقاومة الوطنية التي تخوض هذه الحروب مشروعية إضافية..
أخيراً إذا كنا قد انتهينا إلى أن الاحتلال أضحى أمراً باطلاً وغير مشروع, ويقع بالمخالفة لقواعد القانون الدولي المعاصر وقرارات الشرعية الدولية.
وهو من حيث النتيجة لا يرتب أي حق أو أثر لمصلحة الطرف المعتدي الممثل.. فإن النتيجة المقابلة هي أن مقاومة الاحتلال تعتبر حقاً طبيعياً وإنسانياً وبالتالي فإن وضع المقاومة والإرهاب في سلة واحدة من الادانة والتجريم هو أمر غير مقبول ويجافي المنطق وحقائق الأمور, والتذكر دائماً أنه حينما يجفف المستنقع يختفي البعوض تلقائياً والحل يبدأ دوماً من معالجة السبب والقضاء عليه.