تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


محمد أركون للثورة :نحتاج مجالس علم لا جدال, وثقافة اليوم تحكمها سلطة الرموز..

شؤون ثقا فية
الثلاثاء 18/4/2006
ديب علي حسن

كيف تبدأ اللقاء مع الدكتور محمد أركون صاحب المشروع النقدي التأملي في الفكر الاسلامي.. هل نبدأ معه بالحديث عن مشروعه والى أين وصل به أم نسأل: كيف قوبل هذا المشروع في عالمنا العربي..?

اسئلة كثيرة تتدافع وتبحث عن اجابات لكن الغريب في الامر ان الاجابات تكاد تكون اكثر رمزية وبعدا عن الواقع الثقافي والفكري والسياسي الذي نعيشه في العالم العربي, وهذا ما يدعونا لأن نعيد التساؤل: هل ثمة هوة عميقة بين التنظير والواقع, وهل هذا ناتج عن البعد الذي يعيشه هولاء المفكرون عن مجتمعاتهم, وبحثهم في امهات الكتب والتراث مع التطلع الى القادم دون الاشارة الى الراهن الا من خلال النقد الذي يذبح بسكين مثلومة.?‏

في الدوحة وفي الملتقى الثقافي الخامس كان لنا معه هذه الجولة في آفاق الفكر والنقد والحديث حول (حدود حرية التعبير).‏

وهو عنوان محاضرته التي ألقاها في الملتقى..‏

كان سؤالنا الذي فجر ما لدى المفكر هو: لماذا نحن في هكذا حال نراوح في المكان, نتحدث عن ازمة ثقافة ونقد ومصطلحات,ولكن لا اجابات ولا عمل ..?!‏

فأجاب د. اركون: نحن نعاني من ازمة معقدة ثقافياً وفكرياً وليس لدينا فرز في المصطلحات التي نستخدمها وهذا ما يجعلنا نراوح حيث نحن, فعلى سبيل المثال : لا نميز بين التفكير الاصولوي والتفكير الاسلامي, وكلاهما بحاجة الى المزيد من البحث, فأنا أصف كل تفكير لنهتدي الى التميز وحتى لا نخلط بين هذا وذاك .وعلى العموم نحن بحاجة الى اعادة روح النقد الى حياتنا وثقافتنا وفكرنا, فالنقد اليوم غائب لدينا, واذا كان موجوداً فهو في ادنى مراتبه وليس بالمفهوم النقدي, فمن المعلوم ان النقد هو الغربلة, غربلة الافكار ومناقشتها, اما ما نراه اليوم في مجالات النقد كافة ليس كذك , فهو ليس نقد افكار, بل جدال لا قيمة له .‏

نفتقد المناظرات ..‏

وحين سألناه كيف نعيد للنقد مكانته ونجعله نقداً فكرياً حقيقياً اجاب اركون قائلاً:‏

في تراثنا العربي ثمة نقد حقيقي كان عاملاً اساسياً في تطور العلوم والمعارف, وهنا اتحدث عن المناظرات التي حفل بها تاريخنا العلمي ومن يرجع الى امهات الكتب فسوف يجد صدق ما نذهب اليه, فالمناظرة اولاً, هي نقد انساني, فالكلام وجه لوجه وهذا يعني الحوار الذي يبني علماً ومعرفة, وطبعا لا أتحدث هنا عن الجدال الذي لا يؤدي الى أي فائدة علمية, وهنا اود ان اشير الى ان مناقشة رسائل الماجستير والدكتوراه في الجامعات هو قمة المناظرة وهو نقد تطبيقي حقيقي, وهنا اود ان اسأل : اين المؤسسات والمعاهد التي تعنى بالمناظرات ! اين مجالس العلم. .?‏

ولماذا تركنا الحوار الى الجدل..?‏

فعلى سبيل المثال اذا تحدثنا عن العلمانية ,فيمكننا القول بكل بساطة: انها مقولة فكرية اساسية وليست جانباً سياسيا صحيح ان هناك جانباً سياسياً لاستلام السلطة, لكنها في الاساس هي مقولة بذاتها والمقولة تفرض الموقف النقدي, علينا ان نرسي هذا المفهوم لا ان نقضي سنوات وسنوات ونحن لا نتفق على مفهوم العلمانية.‏

الاتفاق على المفهوم يمكنني من فهم الاسرار, اسرار العلم والاديان ويجعلني احترمها واشرحها, واود ان اقول: دون المعرفة التاريخية لأي مفهوم لا نصل ولا نحقق شيئاً ذا قيمة وفائدة.‏

الاتفاق على المفاهيم واحترامها يعني التعددية الثرية, ويمكن للمرء ان يكون علمانياً ومسلماً في الوقت نفسه, فالعلم والدين ليسا ضدين على الاطلاق, بل كما قلت الموقف الفكري يمكنني من تفهم اسرار الاديان ما يجعلني احترمها واشرحها وهذا يحميني من ان اجعل من الدين تياراً ايديولوجيا واخرج عن المقاصد الاساسية.‏

واود ان اتوقف عند نقطة هامة لا بد من الحديث عنها والتأكيد على ضرورتها ما دمنا نتحدث عن النقد, هذه النقطة هي الالحاح على الموقف (الانساني) لا بد من أنسنة النقد,فالوصول الى الذات الانسانية يعني اننا وصلنا الى فكره, وهذا غاية ما نريده ونسعى اليه.‏

سلطة الرموز:‏

وفي الحديث عن ثقافة الهيمنة والعولمة التي نراها اليوم رأى د. اركون ان الامر بسيط للغاية, فاليوم الاقوياء يحكمون العالم من خلال سلطة الرموز,الرموز اللغوية والعلمية, فالقوي في ثقافته وادبه يفرض لغته وأدبه, المصطلح العلمي يقدمه من يخترع, العرب كانوا ذات يوم سادة العالم, وكانت تسيطر على فضاءات البحر المتوسط, بل كانت لغة العالم, اليوم احتلت اللغة الانكليزية هذه المكانة, ذهبت الامبراطورية التي لا تغيب الشمس عنها , وبقيت لغتها وغزت العالم باللغة ورموز اللغة تستطيع ان تخترق العالم و تفهم اسراره و تتواصل معه, واقدم نفسي مثالا على ذلك .‏

لقد استطعت فك رموز العالم من خلال اللغات التي اتقنها, وهنا اود ان اسجل اننا مقصرون جداً بحق لغتنا العربية, فأين المعجم التاريخي الذي يرصد تطور هذه اللغة التي كانت لغة العالم ذات يوم . . ?وأين ابحاثنا ودراساتنا حول واقعها ومستقبلها نراها تذبل امام اعيننا ودون ان نكون قادرين ان نفعل شيئا او بالاصح لا نريد ان نتعب انفسنا .‏

حدود حرية التعبير.‏

أما حدود حرية التعبير التي صال وجال فيها فقد توقف اركون عند محطات مضيئة في تراثنا العربي الاسلامي واشار الى اننا تلقينا من تراثنا العربي ابداعا حقيقياً, فنحن لم ندرس تاريخ تكوين المذاهب دراسة نقدية وتوقفنا عن العودة الى المصدر الاول للشريعة للقرآن, ثم تحدث عن ضرورة الاهتمام بعلم الانثربولوجيا لأنه يعطينا مفاتيح العلم لكي لا نزيد المآزق وأشار الى أننا اضعنا معجمنا الفكري الذي ورثناه من التوحيدي والفارابي ومسكويه, وتوقف عند عبد القادر الجيلاني, ولا سيما قوله, نازعت الحق بالحق للحق ولكن اكثر الناس لا يعلمون..‏

ما اراد الجيلاني ان يقوله هو : نازعت العقل بالعقل للعقل..‏

وأشار الى ان الفكر لا يبدع ولا يتقدم اذا خانته اللغة واذا لم تعط المفاتيح والمفهومات هي آلات الجراح وهي المفاتيح واذا تشبثنا باللغة القديمة, ولم ننتبه الى الآلات الجديدة ففكرنا سيؤدي وظيفة سلفية لأنه يقدم علما فات وقته علماً قدمات , وعلماً يبعدنا عن الاجتهاد, وهذا ما نعاني كما أسلفت في اللغة العربية .. اسلوبنا التربوي متخلف, ومكتباتنا الجامعية مملوءة بالكتب التي تعود الى نصف قرن..اين الكتب الجديدة لماذا لا نترجم.. لا بد من تجديد ادواتنا التربوية والمعرفية واذا لم نفعل ذلك ,فاننا سنبقى حيث نحن .‏

النقد الحر..‏

لا بد لنا للخروج من هذا المأزق من ان ندعو ذوي القرار السياسي ان يساعدوا الباحثين , لدينا مفكرون وليس لهم دور في تغيير ما هو واقع , عليهم ان يساعدوا المواطنين الذين‏

لا يزالون يكافحون لابد من ا لعمل لتغيير واقعنا الفكري حتى نخرج من المآسي القائمة على الجهل المؤسس الذي نراه في الكثير من الجامعات والمعاهد لا بد ان نتعاون جميعا لنختبر معا النقد الحر, فعندما نتبنى النقد العلمي فنحن قادرون على نقد جميع المنظومات التفكيرية الموروثة ولا سيما عن طريق الانثربولوجيا والمقارنة بين هذه المنظومات .‏

من التحليق الى التطبيق‏

كان محمد اركون فيما صال وجال فيه يعيد المعطيات التي سمعها أي عربي مئات المرات, وقرأها ,وانتظر ما يقدمه مفكر مثل اركون, فاذا به يعيد ما اعيد, الامر الذي دعا د.حسام الخطيب الى ان يتمنى عليه لو انه عاد من التحليق الى التطبيق, ولا يقف الامر عند هذا , فقد كان العنوان الرئيس لمحاضرته وحواراته حدود حرية التعبير, فإذ( لا حدود ولا حرية )تعبير لأنه رأى ان المسيرات التي قامت استنكاراً للرسوم المسيئة للرسول (محمد ص) ,ان يجب ألا تكون, حدود حرية التعبير كان عنواناً واسعاً لكنه ضاق بمساحة الفكر وإن آمنا بما قاله اركون ان ثقافة اليوم تحكمها سلطة رموز الاقوياء وهل هو خارج الرموز التي اقتحمها ورأى انه استطاع فك ألغازها فاذا بها تحكمه من جديد?‏

محطات وطروحات ..‏

محمد اركون من مواليد الجزائر, يشغل الآن منصب استاذ ذي كرسي في تاريخ الفكر الاسلامي في جامعة السوربون الجديدة ( باريس) امضى سنوات عديدة في مجال الابحاث الهادفة الى تطوير تاريخ نقدي تأملي في الفكر الاسلامي,مطبقاً هذا المنهج الفكري على تاريخ الاديان التوحيدية فيما تعبر عنه من نظم لاهوتية تشريعية تاريخية مع انتقالات دائمة بينهما, فهو يعمل على دمج تاريخ الفكر الاسلامي في المضامين المتنوعة لما يسمى بالفضاء المتوسطي. حاز اركون على جوائز عديدة, وهو المدير العلمي لمجلة (ارابيكا) للدراسات العربية والاسلامية منذ عام 1980م ويقوم بعرض افكاره ومقترحاته في مؤتمرات وندوات كثيرة في انحاء العالم الاسلامي و اوروبا وامريكا, وقد حاضر في اكثر من مئة مدينة عالمية, وزار سورية وحاضر في دمشق وحلب ..‏

مؤلفاته..‏

- النزعة الانسانية العربية ط3 /2005 م - نقد العقل الاسلامي 1984‏

-الاسلام مقاربة نقدية 2003 -ما لم يفكرفيه في الفكر الاسلامي 2002 م‏

-النزعة الانسانية والاسلام 2005م - الفكر العربي 2003‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية