غير أن تلك الدراسات يبدو أنها كانت ناقصة،أوعلى الأقل لم تكن دقيقة، فوصلنا بزراعتنا إلى نتائج تراكمية وكميّة، ولكننا لم نلتفت كما يجب نحو ما تُرتب علينا هذه الكميات من إجراءات كان علينا اتخاذها لتستحوذ على هذا الإنتاج الخام وتُخضِعه لعمليات إنتاجية لاحقة تمنحه قيماً مضافة كثيراًما أضعناها، سواء كانت تسويقية أم تصنيعية،
حيث تمكنّا من الوصول إلى تحقيق إنتاج كميات زراعية كبيرة، ولكننا تعثّرنا في الوصول إلى الطريقة المثلى لاستثمار هذا الانتاج، وأغفلنا القوة الكامنة في مواسمنا الزراعية الوفيرة التي تراكمت، والكفيلة بهضم هذا الانتاج من خلال دورات إنتاجية إضافية ومتعددة المراحل اللاحقة إلا على نطاق ضيق، فعلى الرغم من وجود مصانع كونسروة - مثلاً - تستوعب بعض منتجات الخضار والفواكه عبر تصنيعها كرب البندورة، ومربى المشمش، ومخلل الخيار، وما إلى ذلك، ظلت بعض المنتجات الخيّرة عبئاً كبيراً على المنتجين ولاسيما البندورة، حيث نسمع عن إتلاف الكثير من الكميات سواء في الساحل أم في حوران، بسبب تراكمها الشديد الناجم عن فائض الإنتاج وعدم القدرة على التسويق، وما ينسحب على الخضار والفواكه المذكورة يمكن أن ينسحب أيضاً على الحمضيات وعلى التفاح وأحياناً على البطاطا أو الثوم والبصل، وكذلك على الزيتون وزيت الزيتون وما إلى ذلك.
مُحاكاة المشكلة
هذا الواقع شكّلَ على ما يبدو هاجساً ضاغطاً عند الحكومة السورية، ولاسيما في هذه الأوقات العصيبة التي تحتاج فيه إلى أي جهدٍ يمكن أن يساهم في خلق موارد جديدة للناس وللخزينة، عبر استثمار الإمكانيات الكامنة في مواسمنا عوضاً عن هدرها وعدم الاكتراث بها، ومن هذا الواقع الحقيقي تيقّظت الحكومة ونوت على ما يبدو أن تتعاطى بجديّة مع هذه المسألة، لا بل عقدت العزم بعد النيّة على اتخاذ خطوات جديّة تُمهّدُ لاستثمار تلك الإمكانيات الكامنة والضائعة، حيث أصدر السيد رئيس مجلس الوزراء الدكتور وائل الحلقي قراراً بتشكيل شبكة معرفية تسمى ( الشبكة الوطنية للبحث العلمي الزراعي ونقل التقانة ) ترتبط بالهيئة العليا للبحث العلمي، وحدد القرار استراتيجية هذه الشبكة بتطوير بيئة معرفية تفاعلية بين المؤسسات والجهات والجمعيات والأفراد المهتمين بالبحث العلمي والزراعي ونقل التقانة، حيث تُسهم في نشر وتشجيع استخدام وتوطين التقانات الحديثة للزراعة.
أهداف الشبكة
كما حدد القرار أهداف ومهام هذه الشبكة، وبنيتها التنظيمية بحيث تضع القطاع الزراعي بالكامل تحت مظلتها وتمتلك بعد ذلك مفاتيح النهوض بهذا القطاع من نقطة البداية إلى أقصى درجات القيم المضافة الممكنة.
فأهداف هذه الشبكة تتمثل بتنسيق جهود البحث العلمي في مجال البحث العلمي الزراعي ونقل التقانة بين مختلف الأطراف من مراكز بحثية وجامعات ومؤسسات ومنظمات المجتمع الأهلي التي تعنى بالزراعة، كما تهدف الشبكة إلى نشر ونقل وتوطين التقانات الحديثة للزراعة والتعريف بأهميتها في تطوير الزراعة والتشجيع على استخدامها، وخلق قنوات للتواصل بين السياسيين والعلماء والعاملين بالاقتصاد ورجال القانون والاعلاميين للاسهام في تشجيع البحث العلمي الزراعي وجعل الاجراءات الخاصة به أكثر واقعية وعملية للتطبيق، وتهدف الشبكة أيضاً إلى المساعدة في وضع الرؤية المستقبلية للبحوث العلمية الزراعية ولتطبيقات التقانات الجديدة للزراعة حيث يكون لهذه التقانات دور هام في خطط التنمية المستدامة، وأخيراً تهدف إلى التشبيك بين المؤسسات والمنظماتوالجمعيات والمهتمين بالبحوث العلمية الزراعية باستخدام كافة وسائل التواصل الحديث .
المهام :
حدد القرار ثماني مهام للشبكة بحيث تقترح مشاريع بحثية في مجال الزراعة تشارك فيها مختلف الجهات العاملة في مجال البحث العلمي بحسب إمكانياتها ومقدراتها العلمية والمادية، بالاضافة إلى المشاركة بوضع مقترحات لخطط البحث العلمي الزراعي والتطوير التقاني والاسهام في تقييم نتائجها واقتراح محاور للتطوير التقاني المتعلقة بهذه الخطط واقتراح تنفيذ هذه المحاور من قبل جهات عامة مختلفة مثل وزارة الزراعة والاصلاح الزراعي، والجامعات، والمراكز والهيئات البحثية، ومن مهام هذه الشبكة اقتراح خطوات محددة تساعد صانعي القرار على وضع الخطط التنفيذية الكفيلة بنشروتطبيق نتائج البحوث الزراعية، وعلى هذه الشبكة الترويج للبحوث والتقانات الجديدة للزراعة من خلال عقد المؤتمرات وورش العمل والحوارات ووضع وتنفيذ برامج توعية شاملة في مجال الزراعة، وتشجيع إقامة الجمعيات التي تُعنى بالزراعة والتي تساعد على نشر التقانات الحديثة للزراعة، واقتراح تخصيص الجهات المختلفة العاملة فعلاً في مجال البحث العلمي الزراعي ونقل التقانة بمنح مالية تُقدّم لها عن طريق الهيئة العليا، وبناء روابط تعاون مع الجهات والمنظمات العربية والدولية العاملة بنفس المجال، وأخيراً بناء قواعد بيانات عن كافة الجهات المرتبطة بالشبكة وعن البحوث المُنفّذة في مجال الزراعة وعن استخدام واستثمار نتائج البحث العلمي الزراعي على المستويين المحلي والعالمي.
البنية التنظيمية :
أما البنية التنظيمية لهذه الشبكة فتوحي بأنها ستضع القطاع الزراعي السوري في نطاق استثمار شامل يطوله بالكامل وصولاً إلى أقصى ما يمكن من القيم المضافة، فقد أوضحت البنية التنظيمية ارتباط هذه الشبكة بالهيئة العليا، وتتألف من لجنة مركزية ولجان فرعية تخصصية هي لجنة البحث العلمي للإنتاج النباتي، ولجنة البحث العلمي للإنتاج الحيواني، ولجنة البحث العلمي لبحوث الموارد الطبيعية، ولجنة البحث العلمي للصناعات الغذائية، ولجنة البحث العلمي الاقتصادية والاجتماعية.
وتضم هذه الشبكة في عضويتها المؤسسات البحثية في مجال الزراعة، والمؤسسات الحكومية الزراعية، والمنظمات الشعبية والجمعيات الأهلية الزراعية، ومؤسسات من القطاع الخاص المعني، والمنظمات العربية والدولية المعنية بالبحوث الزراعية، والأفراد المهتمين بالبحوث والتقانات المتعلقة بالزراعة.