تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


لأنه صوت المهمشين..

الثلاثاء 16-7-2013
سعد القاسم

منذ اللحظة الأولى التي شاع فيها خبر رحيل نضال سيجري اكتظت صفحات الـ (فيسبوك) بكتابات الأصدقاء والمعارف عنه، حتى وجد من ينتقد وفرة من يدعون صداقته بعد الرحيل..

لكن ما يلفت الانتباه في هذه الكتابات ليس وفرتها، بل حقيقة أن معظمها لم تتحدث عن موهبة الراحل (وهي ليست موضوع شك).. وإنما تحدثت عن الجوانب الإنسانية في شخصه..‏

في كل الأحوال يستطيع كثيرون، وكثيرون جداً، أن يحكوا عن صداقتهم ونضال سيجري، حتى لو لم يوثقوا ذلك بحكايات وشهادات شهود، أو بصور التقطت معه بمناسبة ما، أو دونها. فنضال كان يمنح هذا الإحساس لكل من عرفه، ولو كانت معرفة سطحية أو عابرة. وهو في ذلك لم يكن يجامل أحداً، أو يخدع أحداً، فبنيته الإنسانية جعلته قادراً على غمر الناس بمحبة لا ضفاف لها، و يبدو هذا من بين أشياء كثيرة في علاقته مع الممثلين الشباب، ومع طلاب المعهد المسرحي، يشجعهم، ويبث روح التفاؤل والأمل فيهم، حتى حين كان يعد أيامه الأخيرة في الحياة..ويواجه مصيره المحتوم بشجاعة وابتسامة لا ترضى هزيمة أو انكساراً أو نظرة شفقة..‏

حين كان يرتقي ذروة تألقه ونجاحه بخطا واثقة متتالية، لم تبدل أضواء النجومية فيه شيئاً، بقي الإنسان الطيب ذاته الذي أحب فيه الجميع (سواء عرفوه عن قرب أم لا) عفويته وطيب نفسه، وروحه التي تشع بهجة، وتعليقاته الذكية اللماحة المرحة، ولما غدر به المرض حرص على ألا يكون إلا هو..وكم من صديق اتصل يسأله ملهوفاً عن حال حنجرته فأجابه مطمئناً، حتى في أشد لحظات المرض ضراوة..‏

نضال سيجري من الأشخاص الذين يرسخوا في الذاكرة منذ اللحظة الأولى التي تلقاه بها، ومن جهتي لم أعد أذكر تماماً متى كانت تلك اللحظة،لكني أذكر تفاصيلها تماماً وكأنها حصلت للتو، كان ذلك في مطالع التسعينات وكنا مجموعة من الصحفيين والممثلين نتحلق حول مائدة صغيرة في المعهد المسرحي حين جاء نضال المتخرج حديثاً وجلس في الصف الثاني،وما هي إلا لحظات حتى صار محور الجلسة، ذكرته جلسته تلك خلف الممثلين بما كان يحدث مع (الكومبارس) أثناء التصوير حين يحل موعد الطعام ويُسألون من باب (رفع العتب) إن كانوا جائعين فيدفعهم الخوف من أن تحرمهم كلمة نعم فرصة عمل ثانية، إلى نفي ذلك فيما هم يتضورون جوعاً وهم يرقبون الممثلين يلتهمون الطعام بنهم..كان نضال يستعيد الحالة بتفاصيلها المضحكة المحزنة وكأنه بطلها..كان قادراً على أن يلتقط ببراعة وحسٍ إنساني عميق مشاعر المهمشين الذين قد لا يهتم آخرون لوجودهم، أو قد لا ينتبهون له أصلاً، ولعل هذا سر حضوره الفني والإنساني الفريد، وقد تجلى فنياً في عدد كبير من أعماله وخاصة في شخصية أسعد في مسلسل (ضيعة ضايعة) وحتى في شخصية النصاب التي أداها بعد أن فقد صوته في مسلسل (الخربة)، وكذلك في تجربته الإخراجية السينمائية (طعم الليمون) حيث حفل الفيلم بشخصيات على هامش الحياة، وحيث طفح الفيلم بتعاطفه معهم..‏

تعاطف لم يخل من سخرية مريرة كحاله دائماً..‏

www.facebook.com/saad.alkassem

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية