الطبيعي، الذي منحه بعداً زمنياً، أعادنا إلى الأجواء النحتية التدمرية، بكل واقعيتها وتفاصيلها و وزخارفها، دون أن تقع في هاوية النسخ أو الترداد، أو العمل الحرفي الصرف, وبعبارة أخرى استطاعت أن تحقق في منحوتاتها عناصر الدهشة والإقناع، والوصول إلى واقعية قصوى أو واقعية سحرية.
فنانة شاملة
وهذا يعني أن موهبتها في الرسم والنحت لا تقل عن حساسيتها في مجال العزف على الكمان، فهي موسيقية وعازفة محترفة، ومتخرجة من المعهد العالي للموسيقا عازفة كمان، وعضو مؤسس في الفرقة السيمفونية الوطنية السورية، ولقد عزفت مع الفرقة السيمفونية في اسبانيا والولايات المتحدة وإيطاليا وتركيا، وعدد من البلدان العربية والمدن السورية.
كما أنها عازفة في الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية، بقيادة المايسترو عدنان فتح الله, وعازفة في أوركسترا أورفيوس بقيادة المايسترو أندريه معلولي, ولقد حازت على الميدالية الفضية سنة 2011 من الجمعية الأكاديمية الفرنسية للفنون والعلوم والآداب, وفي مجال الفن التشكيلي سبق وأقامت خمسة معارض فردية (لوحات بالحبر الصيني والمائي) في الأردن ودمشق وباريس, إضافة لمشاركاتها في بعض المعارض الجماعية.
وهي ليست عازفة ماهرة على آلة الكمان فقط، وإنما عازفة ماهرة أيضاً على أوتار النغم الموسيقي البصري، وأعمالها تشكل عودة إلى أجواء التقنيات، التي تعتبر الأساس الذي ارتكز عليه الفن السوري القديم, ولقد تركزت موضوعاتها حول الوجوه والدراويش (الفتلة المولوية) مع التركيز لاظهار حركة الشخوص بوضعيات مختلفة, قادمة من تاملات بعض الطقوس الدينية، كما تجسد الأشكال الحيوانية الرمزية والأسطورية والنخيل والأشجار والزخارف النباتية والأغصان المثمرة، والأشكال الأخرى، ونجد بقايا أعمدة وتيجان وغيرها، كل ذلك ضمن عوالم واقعية مدهشة وساحرة، وقادرة على ادخال البهجة الى العين والقلب معاً.
موسيقا بصرية
هكذا يصبح عملها البصري، شبيه بلحن موسيقي تدمري، في خطوات بحثها عن إيقاعات تشكيلية بانورامية مكثفة أحياناً بالشخوص، كل ذلك بلغة فنية واقعية، لاتقلد الأصل ولا تطلقه، وانما تترك لأصداء الحوار التشكيلي البصري, مساحة من الخصوصية الفنية والتقنية، وهنا تكمن المعادلة الصعبة.
ومن الناحية التشكيلية، يمكننا من خلال تأملاتنا الطويلة لهذه الأعمال، التماس إيحاءات الإحساس بجمالية فنون المرحلة التاريخية، التي ازدهرت فيها الحضارة التدمرية، وهذا يظهر في الحلي والجواهر التي تزين المرأة، والتي تدل على الرخاء والبطر الحضاري، الذي كان سائداً, كل ذلك منحها طاقة الإحساس الحي بالتشكيل التخيلي والرمزي والأسطوري، مع التنويه أن رانيا تركت بصماتها الواضحة،على مجمل أعمالها بتقنياتها المختلفة.
واذا كانت في معظم أعمالها تركز لأبراز قدراتها على النحت الواقعي الدقيق، فإنها في أعمال أخرى تذهب لإبراز ايقاعات الزخارف والإشارات والرموز التاريخية (تشكيلات زخرفة وحيوانية ونباتية ورؤى اسطورية، وكل مايقع في دائرة الفن التدمري، من رموز وإشارت وتأويلات وتخيلات).
ضد الخراب والدمار
وأعمالها المعروضة جاءت على حد قولها- كردة فعل على الخراب والدمار الذي لحق بمدينة وآثار تدمر، وهي تعطي الوجوه أبعاداً تعبيرية، فيها الكثير من الحزن والمرارة والمعاناة, دون فقدان الأمل الموجود في رموز عديدة مجسدة في أعمالها. كما تبرز في تجربتها مظاهر التنويع التقني للوصول إلى التأثيرات البصرية المطلوبة, وبالتالي النفاذ إلى أبجدية تشكيلية ناتجة عن موهبة وقدرة واختبارات تقنية.
وبالرغم من أن رانيا تركز في القسم الأكبر من أعمالها لإظهار قدرتها على تجسيد أدق التفاصيل, إلا أننا نلمس في بعض ألواحها الطينية احتمالات التدرج من اقصى حالات الدقة الواقعية، إلى حدود التعبير العفوي, المقروء في حركة الاشكال المختزلة والمختصرة. وهكذا تصبح أعمالها في تدرجها، شبيهة بلحن موسيقي تدمري، يتجاوز الأزمنة القديمة, نحو الحاضر والمستقبل, في خطوات بحثها عن إيقاعات الاختصار والاختزال، وبذلك تترك لأصداء الحوار التشكيلي البصري مساحة من الحرية التعبيرية والفنية والتقنية. وهكذا تتشكل المنحوتة عندها بخيالات مختلفة تحقق أقصى درجات الواقعية أو تبتعد عنها في أعمال أخرى.
facebook.com adib.makhzoum