وفقد ربع العراقيين أرواحهم ماخلا الإعاقات والتشرد والنزوح واللجوء، ولايزال الغرب حتى الآن يشتبه في أن إيران تسعى سراً إلى تطوير أسلحة نووية، مع أن إيران قبلت قيام الوكالة بتفتيش دقيق، واقترحت أن يتم تشغيل موقع تخصيب اليورانيوم في ناتنز بمشاركة ممثلين أجانب متعددي الجنسيات إضافة إلى تخليها عن معالجة البلوتونيوم وقبلت تحويل كل اليورانيوم المخصب إلى قضبان وقود للمفاعلات، وعلى الرغم من كل ذلك مازالت الدول الغربية تلح على طهران كي تعلق برنامجها النووي.
ورداً على تقارير صحفية أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية في 17 أيلول أن لادليل ملموساً على أن إيران لديها برنامج تسلح نووياً، وفي حوار أجرته مجلة علوم الطاقة في عددها للشهر الجاري مع مدير الوكالة محمد البرادعي أكد أن طهران لابرنامج تسلح نووي لديها ولكن ثمة أشخاص يتحدثون عن أن برنامج إيران النووي أسوأ تهديد للعالم، وقال: أعتقد لدواع عدة أن هذا التهديد مجرد دعاية صاخبة.
ماذا وراء هذه الدعاية الصاخبة؟
دأبت الإدارات الأميركية المتلاحقة على ممارسة ضغوط على البلدان النامية لفرض عقوبات اقتصادية عن طريق مجلس الأمن لخنق تلك البلدان بهدف انتزاع امتيازات، فالعقوبات سلاح عاتٍ يسبب توترات اجتماعية في البلدان التي تستهدف بها وتحدث أزمات اقتصادية تؤدي إلى تضخم وعوز، وآلاماً اجتماعية وطوابير من طالبي السلع، كما أن محاصرة الاستيراد والتصدير تؤدي إلى تأثيرات في القطاعات الحساسة، ويفقد القطع الأجنبي فيها كل قيمته، مايؤدي إلى شل الصناعات.
وخلال العقود الخمسة الأخيرة طبقت الولايات المتحدة عقوبات مختلفة على بلدان فقيرة طالت 26 دولة في العالم، منها إيران، حيث أجبرت ضغوط الولايات المتحدة مجلس الأمن في آب 1990 على فرض حصار كامل على إيران، تسبب بموت أكثر من مليون طفل إيراني دون سن الخامسة وتعرضت إيران إلى عقوبات قاسية وقيود على نقل التقانات الحديثة وأي شكل من أشكال التطور، ولاسيما بعد قيام الثورة الإيرانية عام 1979 عندما أعلنت إدارة منابعها النفطية والغازية إدارة وطنية، ومنذ ذلك الوقت أنهت واشنطن كل التعاون التقاني مع طهران وأحجمت عن تقديم التقنية النووية التي أبدت استعدادها في حقبة الشاه رضا بهلوي لتقديمها إليها، بل اتخذت كل التدابير المحكمة لحصار إيران وخنقها، ومثال حصار البنزين غيض من فيض، واليوم يجري الحديث في واشنطن عن إمكانية فرض عقوبات مصرفية وحصار ينال التجهيزات والتقانات الخاصة بصناعات إيران النفطية.
قمة العشرين التي انعقدت في بيتسبورغ 25 أيلول لمناقشة الانهيار الاقتصادي للرأسمالية نسيت الأزمة التي تضرب العالم، وتحولت إلى تهديد إيران بأن كل الخيارات لاتزال علىالطاولة ولاسيما الضربات العسكرية، وطالبت الدول الغربية مجلس الأمن وأعضاء القمة بالتعاون في فرض عقوبات جهنمية جديدة على إيران، وقد استخدمت هذه القمة تسويغ تعويم المصارف لتقديم طمأنات مبهمة حول انتعاش اقتصادي قادم، متناسية أن الرأسمالية العالمية بثت الفوضى في العالم و اتحدت الدول الرأسمالية في موقف واحد هو إطلاق الوعيد والتهديد لإيران، حتى وسائل الإعلام الغربية المألوفة لم تتطرق إلى مسألة الانهيار المالي، بل استهدفت إيران وشيطنتها، علماً أن إيران وفقاً للوكالة الدولية للذرة لم تخالف أياً من القرارات الدولية الخاصة بمعاهدة عدم الانتشار النووي ولاتوجيهات رقابة الوكالة وبحسب هذه الوكالة إن إيران تخصب من اليورانيوم مانسبته 5٪ وهو مايلزم فقط لإنتاج الطاقة الكهربائية السلمية وإنها ليس لديها أي موقع نووي قادر على صناعة السلاح النووي، حتى إن الوكالة أخذت علماً بموقع نووي إيراني جديد قبل البدء في تشغيله بتجهيزه، إذ إنه لايزال فارغاً ولن يوضع في الخدمة إلا بعد 18 شهراً ،على حين أن الوكالة تتطلب إعلامها عن أي موقع جديد قبل ستة أشهر من التشغيل،
في الوقت الذي يمتلك فيه عشرون بلداً مفاعلات نووية مسكوت عنها وحالياً تخصب اليورانيوم 13 بلداً، منها البرازيل والأرجنتين وإفريقيا الجنوبية، وأخيراً أعلنت استراليا عزمها على التخصيب ولاتزال إسرائيل التي لديها منشآت تخصيب ومابين 60 إلى 400 رأس نووي ترفض الامتثال لأي تفتيش واللحاق بمعاهدة عدم الانتشار النووي، وذلك على الرغم من مطالبة سورية ومن ثم إيران بإنشاء منطقة خالية من السلاح النووي في الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي رحبت به حركة عدم الانحياز التي تضم 118 بلداً وهي تمثل أكثرية بين 192 دولة عضو اً في الأمم المتحدة.
والوكالة الدولية للطاقة الذرية تؤكد دوماً حق الدول باستخدام تقنيات نووية لغايات سلمية، ما يتعارض مع ما طالبت به بعض الدول في قمة مجموعة العشرين الأخيرة، بأن يتم اجبار ايران على قبول رقابة قصوى بغير وجه حق،. وثمة مخاوف من أن يكون الخيار العسكري هو الطريق الوحيد لحل الأزمة التي تفتعلها القوى الكبرى مع ايران، وما هو على المحك فعلاً هو سلوك الدول النوية نفسها التي لاتحترم مقتضيات معاهدة عدم الانتشار النووي، وهي التي تسلك سياسة ازدواجية المعايير، وتتسبب في إحداث طرق مسدودة.
فهل نشهد حلاً لمشكلة الملف النووي الايراني عبر الحوار؟.
مصادر ايرانية أشارت إلى أن دولاً عرضت تزويد ايران بيورانيوم مخصب حتى نسبة 20٪ لاستخدامه وقوداً نووياً، فهل فعلاً هي مستعدة لتزويد المفاعل في طهران بالوقود النووي؟.
الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد اعتبر أن المفاوضات التي جرت مع مجموعة 5+1 في الأول من تشرين الأول في جنيف كانت خطوة إلى الأمام. لكن هذا الملف مرتبط بملفات اقليمية، أولها انسحاب القوات الأميركية من العراق، والذي سيحتاج إلى انعطافة في الرأي العام الأميركي، وربما تكون الانعطافة نحو البرنامج النووي الايراني، واستمرار الهجمة عليه، ثم هناك الخسائر في أفغانستان، والضغط الاسرائيلي من أجل تدخل عسكري ضد ايران. ومع أن الصين وروسيا أعربتا مراراً على لسان المسؤولين فيهما أنهما لا تتفقان مع مبدأ العقوبات على ايران إلا أن أميركا تراهن على دعم روسيا لها بعدالتخلي عن الدرع الصاروخية الأميركية في 17 أيلول، في فرض عقوبات مشددة في حال فشلت المفاوضات وكذلك فرنسا.
ولقاء إيران وروسيا والولايات المتحدة وفرنسا في 19 تشرين الأول الجاري في فيينا لبحث تخصيب اليورانيوم الإيراني قد يفضي إلى استبدال الوقود النووي الذي تستخدمه إيران في مفاعلاتها بوقود آخر جديد وربما تشارك روسيا إلى جانب فرنسا في إجراء معالجته لتعزيز مخزونات وقود منخفضة لمفاعل صغير في طهران مخصص لأبحاث السرطان. ويرى محللون أن إيران سجلت مكسباً في محادثات (5+1) في جنيف لأنها تمكنت من الحفاظ على حقها في التخصيب فهل ثمة تغيير بعد لقاء فيينا؟.