وإذ ينظر إلى مناورة «التعاون عام 2009» بوصفها الأكبر والأهم منذ تفكك الاتحاد السوفييتي فإنها أظهرت في الوقت نفسه العديد من المسائل الداخلية بمنظمة الأمن والتعاون الجماعي ورابطة الدول المستقلة من جهة كذلك طلب هذه المنظمة التعاطي معها دولياً في الميادين التي يواجهها عالمنا من جهة ثانية.
تضم منظمة الأمن والتعاون الجماعي، التي أنشأت عام 1992 سبع جمهوريات سوفييتية سابقة:«روسيا، بيلاروسيا، كازاخستان، أرمينيا، طاجكستان، قرغيزيا، أوزبكستان» وهي بمجموعها أعضاء في رابطة الدول المستقلة «الإطار القائم لـ12 جمهورية سوفييتية بعيد تفكك الاتحاد السوفييتي» وتهدف إلى التعاون فيما بينها في المجالين العسكري والأمني، وبسبب من المتغيرات والتطورات التي تشهدها الساحة السوفييتية السابقة عموماً وبلدان المنظمة خصوصاً جرى الاتفاق في شباط عام 2008 على إقامة هذه القوات المشتركة فقد شارك في مناورة «التعاون عام 2009» نحو 7 آلاف جندي و120 دبابة و200 مدرعة وناقلة جند و40 طائرة ومروحية عسكرية، امتدت فترة عملياتها من 2-16 تشرين الأول الجاري واختتمت فعالياتها العسكرية بمناورة برية في مدينة ماتيبولال التي تبعد نحو 200 كيلو متراً عن العاصمة الكازاخية السابقةآلما آتا وهدفت عملياتياً إلى إيقاف قوات مهاجمة ودحرها وتطويق احتواء تشكيلات أو مجموعات استولت على مواقع ما.
كما شارك في الاحتفال الاختتامي للمناورة الرؤساء الروسي ميدفيديف والكازاخي نزار باييف والقرقيزي باقييف والطاجيكي رحمون والأرميني سركسيان، ووفود عسكرية من أوزبكستان وبيلاروسيا وهما الجمهوريتان العضوتان في منظمة الأمن والتعاون الجماعي.
وأعلن المتحدث باسم المنظمة فيتالي ستروغوفيتش أن هدف مناورة «التعاون 2009» يتلخص في : تعزيز أمن الدول الأعضاء تمكين المنظمة من المساهمة في جهود دعم السلام والأمن والدوليين كذلك في العمليات الخاصة لمكافحة، الارهاب الدولي والتطرف والاجرام المنظم على أن تلتحق بها فيما بعد وحدات من وزارتي الطوارئ والداخلية كما أكد أمين عام المنظمة نيكولا بورد يوجا: إننا نعول على توقيع مذكرة تعاون مع الأمم المتحدة التي ستستغرق وقتاً «عاماً أو عاماً ونصفاً» وسيمهد توقيعها على التعاون على النطاق العالمي بما في ذلك خارج حدود منطقة مسؤولية المنظمة.
ورغم أهمية مناورة «التعاون عام 2009، وتبعاتها بوصفها أول فعالية عسكرية كبيرة لهذه المنظمة فإنه لابد من الإشارة إلى عدد من المسائل منها:
إنها ترفع مستوى التنسيق والتعاون بين دول منظمة التعاون والأمن الجماعي (أعضاء رابطة الدول المستقلة) وبضمنه التعاون العسكري العملياتي والأمن أيضاً وتؤشر رغم اشكاليتي أوزبكستان وبيلاروسيا، إلى رغبة هذه الدول في تطوير العلاقات بينهما بما يتلاءم مع التطورات الجارية في جغرافية هذه الجمهوريات ومحيطها والعالم أيضاً.
إنها تظهر مدى التعاون في إطار رابطة الدول المستقلة حول طبيعة هيكليتها وآليات عملها، والأهداف المتوخاة منها وكيفية تعاطي أعضائها مع هذا الإطار وكيفية تطويره أيضاً أو بقائه في صيغته الراهنة وتعقيداته وصعوباته بما في ذلك ربما رغبة عدد من هذه الدول في إعاقة تطويره أو الاكتفاء به إطاراً غير فاعل يستخدم بواقعه الراهن وفق السياسات والتوجهات الفعلية لدوله (راجع صحيفة الثورة العدد 14044 تاريخ 15/10/2009).
طرح هذه الصيغة من التعاون وخاصة العسكرية والأمنية على الصعيد الدولي وخاصة الأمم المتحدة وإبداء الاستعداد للتنسيق والتعاون مع هذه الهيئة الدولية ووضع إمكانياتها في خدمة هذه المؤسسة الدولية ومايتطلبه ذلك من اعتراف دولي بها أيضاً.
وبالتالي التوافق على آلية تعامل وتنسيق متبادل يتضمن الاعتراف بهذه المنظمة «إطاراً عسكرياً » وتالياً؟ آليات هذا التعاون وشروطه واستحقاقاته كذلك الأمر مع حلف الناتو، بوصفه الحلف العسكري الوحيد عالمياً حتى تاريخه إلى جانب قوات الأمم المتحدة رجال «القبعات الزرقاء» .
ولانغفل هنا أن هذه الصيغة وهذا التعاون يندرج في سياق العديد من التطورات المشابهة و بضمنها التعاون العسكري الأمني في إطار منظمة شنغهاي للتعاون ، كما لانتجاهل أن هاتين المنظمتين تدعوان إلى عالم متعدد الاقطاب والخلاص من نظام الأحادية القطبية، لهذه الأسباب وغيرها أيضاً ينظر باهتمام إلى مناورة «التعاون عام 2009» وتبعاتها أيضاً في المجال السوفييتي السابق والعالم.
باحث في الشؤون الدولية
batal-m@scs-net.org