هذا ما قاله المفكر الأميركي نعوم تشومسكي بينما اعتبر كانط أن حقوق الإنسان على الصعيد الواقعي تشهد تشويهاً وتوظيفاً ايديولوجياً ما يجعل منها مجرد شعار أو إنها لا تزال في مستوى النيات الحسنة.
وحقوق الإنسان هي جملة الحقوق الشاملة التي ارتبطت بالإنسان كحق الحياة وحق الحرية وحق الملكية وهي حقوق ترمي إلى حماية الإنسان من العنف والاستبداد من أجل ضمان حسن البقاء وعرف الفرنسي ايف ماديو حقوق الإنسان بأنها دراسة الحقوق الشخصية المعترف بها وطنياً ودولياً والتي في ظل حضارة معينة تضمن الجمع بين تأكيد الكرامة الإنسانية وحمايتها من جهة والمحافظة على النظام العام من جهة أخرى، أما الأمم المتحدة فقد عرفت في كتاب التربية الصادر عنها سنة 1989 حقوق الإنسان بأنها تلك الحقوق المتأصلة في طبيعتنا والتي لا يمكن من دونها أن نعيش كبشر.
والجدير ذكره أن قضية حقوق الإنسان شغلت عبر التاريخ حيزاً كبيراً حيث بذلت جهود حثيثة لإقرار الحقوق الأساسية للإنسان منذ مئات بل آلاف السنين، فقد أسست الامبراطورية الفارسية مبادىء غير مسبوقة في مجال حقوق الإنسان في القرن السادس قبل الميلاد في ظل حكم الملك سايروس والذي أصدر عام 539 قبل الميلاد ما عرف بمدونة سايروس والتي اكتشفت عام 1879 وتم الاعتراف بها كأول وثيقة لحقوق الإنسان وبموجب هذه المدونة ألغيت العبودية وأعلن عن حرية ممارسة الشعائر الدينية.
كما أسست الامبراطورية المورينية في الهند القديمة مبادىء لم يسبق لها مثيل في مجال الحقوق المدنية في القرن الثالث قبل الميلاد في عهد أشوكا الذي دعا إلى التسامح مع كل الطوائف والآراء والمعاملة الإنسانية للخدم ونبذ العنف.
وساهمت الحضارة الفرعونية التي تعد من أقدم الحضارات البشرية أيضاً في تجسيد الفكر القانوني لحماية حقوق الإنسان حيث خضع أهالي مصر الفرعونية عام 3300 قبل الميلاد إلى قانون ماعت استند في مفاهيمه إلى ضرورة تحقيق الحق والعدل والصدق، يشار إلى أن ثورة أخناتون كانت من أهم الثورات التي جاءت لتجسيد معايير ومفاهيم حقوق الإنسان في تلك الحقبة حيث دعت إلى السلام والرحمة والتسامج ونبذ الحروب ونشر المساواة بين الناس في شؤونهم الدنيوية، كما دعت إلى تحقيق العدالة للجميع من دون تميز.
وفي الحضارة اليونانية اعتبر ارسطو مبدأ المساواة من المبادىء الأساسية التي ينطوي تحت لوائه جميع الحقوق والحريات المعترف بها للاغريق ولذلك لا بد من معاملة جميع الناس بشكل متساو، غير أن أرسطو قسّم الناس إلى فئتين: عبيد خلقوا للعمل..وأحرار يمتازون بالإرادة، ولكن مع ظهور ما يعرف بالمدرسة الكلبية اندحر الفكر الأروسطي ونادت هذه المدرسة بوجوب إقرار مبدأ المساواة بين جميع أفراد المجتمع، ثم جاءت المدرسة الرواقية 430-490 قبل الميلاد ومن أهم مبادئها أن جميع البشر إخوة مهما تباينت أصولهم وأجناسهم ولغاتهم.
وفي العراق القديم حثت شريعة حمورابي في القرن الثامن عشر قبل الميلاد على وجوب احترام حقوق الإنسان رغم النواقص والعيوب التي ظهرت فيها، حيث إنها أقرت الثأر وأجازت بتر الأعضاء البشرية والإنسان لا يزال على قيد الحياة وهو مايتنافى مع مبادىء العدالة وجوهر الإنسان، هذا في وقت احتفظت فيه الحضارات البابلية والسومرية بارتباط وثيق بين التعاليم الدينية والنظرة إلى الإنسان وحقوقه، ومن أهم القوانين ما عرف بشريعة لبيث عشتار كما تأثرت الحضارة الرومانية بالنهج الرواقي حيث أكد شيشرون أن الناس أمة واحدة يستوي أفرادها في نظر الطبيعة.
والجدير ذكره أن العرب ساهموا في تطوير فكرة حقوق الإنسان فقد سجلت الذاكرة التاريخية أن وثيقة «الفضلين» كانت من أقدم الوثائق التي اهتمت بحقوق الإنسان وجسدت هذه الوثيقة أهم الحقوق للمواطنين الذين يقطنون شعاب مكة ووضعت أسساً ومعايير للإبقاء على مفاهيم ومعاني السلام والعدالة والمساواة بين جميع أعضاء المجتمع المكي في القرن السابع للميلاد، وكذلك حلف الفضول، فقد تعاقد فيه أهل مكة وتعاهدوا على أن لايجدوا فيها مظلوماً من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه، وكانوا على من ظلمه حتى ترد عليه مظلمته..
ولعل عبارة عمر بن الخطاب متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً دليل آخر على سمو ما دعا إليه الإسلام.
وبشكل أو بآخر فإن الديانات السماوية والحضارات القديمة وأنصار النظريات الفلسفية الكبرى مثل مدرسة القانون الطبيعي ونظرية العقد الاجتماعي ساهمت في تشكيل الجذور الروحية لحقوق الإنسان.
ونظرية القانون الطبيعي تدور حول فكرة أن الطبيعة تجعل كل البشر متساويين ومن أبرز مفكري النظرية شيشرون 106-43 قبل الميلاد والقديس توما الأكويني في القرن الثالث عشر، أما نظرية العقد الاجتماعي فقد برزت لمقاومة السلطة المطلقة واستبداد الأمراء والملوك ومن أبرز مفكري هذه النظرية توماس هوبز 1588-1679 وجون لوك 1632-1704 وجان جاك روسو 1712-1778.
وفي هذا الإطار لا بد من الإشارة إلى الشرعة العظمى أو الماغنا كارتا التي أصدرها الملك جون ابن الملك هنري الثاني ملك انكلترا عام 1215 وعرفت بالعهد الأعظم وهذا العهد هو رمز سيادة الدستور على الملك وجاء فيها: لن يقبض على رجل حر أو يسجن أو يشرد أو ينفى أو يقتل إلا بعد محاكمة قانونية وكذلك لن نبيع رجلاً أو ننكر وجوده أونظلمه، ولعل الثورة الأميركية عام 1776 والثورة الفرنسية 1789 قد عكستا تطلعات الإنسان لاستكمال حريته والحد من براثن الظلم والاستعباد.
والجدير ذكره أن مفاهيم حقوق الإنسان الحديثة لم تتبلور إلا في أعقاب الحرب العالمية الثانية 1939-1945 وما شهدته البشرية من ويلات الحرب التي خلفت وراءها ملايين الضحايا بين قتلى ومصابين ولاجئين وأسرى، وهنا برزت الحاجة إلى صياغة حقوق الإنسان على أساس قانوني ورفع مكانتها القانونية في العلاقات الدولية، ففي عام 1941 وجه فرانكلين روزفلت الرئيس الأميركي الأسبق رسالة شهيرة إلى مؤتمر الولايات المتحدة وكان ضمنها إشارة إلى الحريات الإنسانية الأربع: القول-العبادة-الحماية من العوز-العيش بمأمن من الخوف، وفي العام نفسه وقع روزفلت مع رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرشل ميثاقاً يؤكدان فيه ضرورة حماية جميع الناس من الخوف والحاجة، وفي عام 1942 وقع ممثلو 26 دولة إعلان الأمم المتحدة وسجلوا فيه ضمان حقوق الإنسان والعدالة البشرية في بلادهم وسائر البلاد غير أن ثمرة الجهود الدولية توجت في ميثاق الأمم المتحدة عام 1945 الذي أكد على إيمان شعوب الأمم المتحدة بالحقوق الأساسية للإنسان وبكرامة الفرد وقدره وبما للرجال والنساء والأمم كبيرها وصغيرها في حقوق متساوية.
كما خطت الأمم المتحدة خطوات كبيرة في سبيل الإقرار بحقوق الإنسان وحرياته الأساسية بإصدارها للإعلان العالمي لحقوق الإنسان 1948، الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري عام 1965، العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية عام 1966، وأيضاً اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة عام 1979 واتفاقية مناهضة التعذيب عام 1984، واتفاقية حقوق الطفل عام 1989 والاتفاقية الدولية لحماية حقوق العمال المهاجرين وأفراد أسرهم عام 1990.