رؤية الوزارة تأتي بعد فترة وجيزة من ولادتها عبر فصل هيئة شؤون البيئة ومعها مركز الدراسات البيئية من جناح وزارة الادارة المحلية، وبعد انتقالها لاحقاً الى مقر قديم جديد، لتبدأ بإعادة هيكلة مديرياتها وإلغاء مركز الدراسات البيئية وبقاء الهيئة العامة لشؤون البيئة بغطاء شفاف يحمل اسم الوزارة دون سواها.
ويبدو ان رياح البيئة تسير لا كما تشتهي السفن فالاستقرار ممنوع عليها وتنقلها خلال فترة ليست طويلة بين اكثر من ثمانية مقرات وصدور تشريعات متأخرة ومشاريع متناثرة وندوات هنا وهناك، عطل البحث العلمي الاستراتيجي لرؤية متكاملة للتنمية المستدامة كدليل عمل لقطاعات الانتاج والخدمات في وزارات الدولة المعنية وفي القطاعين العام والخاص لتسارع من دمج البعد البيئي في خططها ومنشأتها وصولاً الي الانتاج النظيف والتكنولوجيا الذكية الملائمة له.
ولهذا فإن الوزارة اليوم وكأنها تنطلق من الصفر تماماً.. فالخطة الخمسية العاشرة لم يكن البعد البيئي فيها إلا من تصميم ورسم مديرية التخطيط بوزارة الادارة المحلية بعيداً عن مديريات البيئة حالياً.. والتقرير السنوي لحالة البيئة لم يولد بعد.
وبالامس حاولنا عبثاً الحصول على مؤشرات التنمية المستدامة من الوزارة دون جدوى.. لنسأل: اين موقع سورية من مؤشر التنمية المستدامة العالمي واين لجنة التنمية الوطنية المستدامة واين ارقام تكلفة التدهور البيئي وكم حجمه الكمي والنوعي .
وغير ذلك
صحيح ان هناك خبرات طموحة ومشاريع متناثرة في هذه الوزارة الاقدم في الوطن العربي،غير ان الصحيح ايضا ان ترهلاً وغياباً واضحاً لأغلب المعطيات والمؤشرات الاقتصادية للبيئة في سورية.
ويعترف المعنيون في مديريات الوزارة ان الارقام الواردة في التقرير الوطني او بالاحرى خطة العمل البيئية في سورية اصبحت قديمة جداً إلا انهم يتحدثون عن جهود حثيثة تبذل حالياً لتحديثها لكن لا يمكن البوح بها للصحافة لأنها لم تكتمل بعد من جهة ولم تعتمد رسمياً من جهة ثانية .
وبالنتيجة نحن بلا ارقام ومعطيات عن الوضع الراهن للبيئة والمتوفر حالياً يعود الى عام 2003 في الخطة الوطنية التي تم اعلانها رسمياً عام 2005 بمؤتمر وطني وتم اقرارها في مجلس حماية البيئة في مثل هذه الايام العام الماضي.. وجميعها مؤشرات عن عام 2003 ولم يتم تحديثها.
وامام هذا الواقع فإن تحديات كثيرة ستظهر لوزارة البيئة لتثبت وجودها بعد ان غط فريق من موظفيها في نوم عميق بلا عمل او شاركوا بندوات داخلية او خارجية دون ان يعني ذلك غياب الكوادر البيئية التي كانت تعمل بصمت من دون مكافآت وحوافز كجهات علمية بحثية .
ومن الأمور الهامة امام الوزارة هو تحديث التقرير الوطني للبيئة او ما يسمى التقرير السنوي لحالة البيئة ليكون مرجعاً للجهات التنموية والانتاجية والخدمة المختلفة ولإعطاء ارقام حقيقية عن تكلفة التدهور البيئي، ومن المهام المنتظرة للوزارة تعديل التشريعات والقرارات المتعلقة بعملها واستكمال هيكلها وتفعيل صندوق البيئة الذي لا يزال حبراً على ورق ولم تصدر تعليماته التنفيذية بعد..
اخيراً..نشير الى ان تقديرات تكلفة التدهور البيئي التي كانت بحدود 34 الى 44 ملياراً عام 1997 ثم قدرت بنحو 62 الى 87 ملياراً عام 2005.. لم تلق اذاناً صاغية حتى الآن من الجهات الرسمية وهي تشمل تكلفة تدهور المياه والهواء والتربة والمناطق الحضرية فقط ولا تشمل الخسائر الصحية التي لا تقدر بثمن وتدهور الموارد الطبيعية والتنوع الحيوي.
ولهذا فإن الامل ان تظهر الارقام الحقيقية التي يمكن اعتمادها رسمياً خصوصاً وان مشروعاً لدراسة هذه التكلفة تم انجازه ولم تظهر حتى الآن نتائجه لنعرف اين نحن الأن.. وماذا عن المستقبل وعموماً فإن هذه الارقام متقاربة في الدول العربية وتشكل ما نسبته 3- 4? من الدخل القومي بينما في الدول الصناعية لا تتجاوز النسبة 1،5? بأسوأ الحالات.
ومن هنا البداية لننتبه لخطر تدهور البيئة والموارد الطبيعية والاسراع بمشاريع التنمية المستدامة التي تدمج البعد البيئي في كل القطاعات الانتاجية والخدمية لان المشكلة ليست بتكلفة قيمة التدهور المرتفعة وحسب بل بالحلول المعقدة لمعالجتها اذا استمررنا بالتنظير بعيداً عن الاجراءات العملية على الارض لحماية البيئة وحماية انفسنا والامل ان تستمر المشاريع التي بدأت مع ولادة المدن الصناعية واستكمال مخابر البيئة بالمحافظات والتشجيع على مشاريع الطاقات المتجددة وغيرها لتؤسس لتنمية مستدامة لنا ولأجيالنا القادمة.