|
هل سيتحول المسلسل الدرامي إلى أفيون شعبي؟ ثقافة شهر الصيام والعبادة وصلة الرحم وإعادة مياه المحبة والحوار بين المتخاصمين من الأصدقاء والمعارف أوالأقرباء والجيران إلى مجاريها الطبيعية. فهل تهدد المسلسلات الدرامية، ولاسيما السورية، حياتنا العائلية والاجتماعية والثقافية بالخطر؟.. هل تحولت إلى أفيون شعبي يذهب بالعقول ويشل الأذهان ويوجع القلوب ويخدرها بالحزن واليأس والاستسلام للأقدار؟. لانتحدث هنا عن الجيد أو الرديء من أعمالنا الدرامية ولاعن المفيد أو الضار، لكن مجرد الاعتياد على مشاهدتها في جميع أوقات فراغنا بات أمراً يدعو للخشية والحذر من تفاقمه وتحوله إلى إدمان خطر. ولاسيما أن معظم صانعي هذه المسلسلات صاروا يبحثون عن النصوص المثيرة والمأساوية بقصد استقطاب المزيد من المتفرجين وشركات الدعاية التجارية وذلك لما يعرفونه ويجربونه من ميل المواطن العربي للحزن والبكاء واليأس وإعراضه عن المرح والدعابة والفرح. ولعل هذا أحد أسباب اختفاء الأعمال الكوميدية النظيفة المعتمدة على الطرافة والمفارقة الذكية من على شاشاتنا لهذا الموسم. بات جمهور الدراما التلفزيونية في الوطن العربي عموماً يهوى العنف والجريمة وحبك المؤامرة ومن ثم الكشف عنها ولايهمه انتصار الباطل على الحق أوالحق على الباطل. ويريحه أن يحمّل أولي الأمر مسؤولية ضعفه وفقره وخموله واكتشاف أنه شعب مظلوم مقهور ومغلوب على أمره، وأن هذا هو قدره العاجز عن مقاومته. ولتبحثوا إن شئتم عن هذه المقولات الضارة في مسلسلات هذا الموسم أو الذي سبقه مثل أهل الراية وباب الحارة وموعود وسحابة صيف وشتاء ساخن وتحت المداس وقاع المدينة وقبلها الحصرم الشامي وغزلان في غابة الذئاب. أما الأعمال التي عالجها كتّابها ومخرجوها بإيجابية وطنية وأخلاقية ونية حسنة فهي موجودة أيضاً وعلى سبيل المثال نذكر من الفترة الماضية مسلسل عصي الدمع والانتظار وهذا العام مسلسل زمن العار وقلوب صغيرة وهدوء نسبي. وكم كنت أتمنى أن لايتفرج مواطنونا في رمضان إلا على نخبة من المسلسلات المفيدة وأن توزع عروض الأعمال العديمة الفائدة على شهور السنة بكاملها كي يخف أثرها الضار وتبقى لمجرد التسلية وإضاعة الوقت إن وجد. والمشكلة بالتحديد هي إنشغال الناس بالشاشة بحكم العادة التي وصلت حد الإدمان وعطلت النشاطات وممارسة الهوايات الأخرى وأهمها النشاطات الثقافية والفنية والرياضية بعد إهمالهم واجباتهم العائلية ونبذ الاهتمامات السياسية والاجتماعية. لم أعد أسمع من ضيوفي وقد تناقص عددهم جداً في رمضان أي حديث عن أهلنا في الجولان وفلسطين وفي غزة والعراق فلقد استعاض الناس عنها بمشاهدة مسلسلات تشيرإليها وتحكي عنها مثل (سفر الحجارة) ورجال الحسم وسحابة صيف وهدوء نسبي. لم يعد أحد يتحدث عن الأدب والرواية والشعر. لقد تناولت المسلسلات الدرامية أيضاً هذه المواضيع بسطحية وإسفاف في مسلسلات مثل نزار قباني وجبران خليل جبران. وتناولت موضوع الطب والمشافي في مسلسلات مثل الطبيبة وقلوب دافئة وقلبي معكم وكانت أفضل على كل حال من حيث نصوصها وإخراجها للشاشة، هذه الشاشة الدرامية بالتحديد التي بدأت تلجمنا وتغلق أفواهنا وتكاد تشل أدمغتنا عن التفكير في حاضرنا ومستقبلنا كادت تصبح أفيوناً خطيراً يخدرنا حتى الذل. لقد أدركت البلدان المتقدمة خطر المسلسلات الدرامية فأوقفتها منذ عدة عقود ولم تعد تنتج في الدراما سوى المسرحيات والأفلام وفي مقدمتها الموسيقية والكوميدية إلى جانب مسلسلات تلفزيونية متصلة منفصلة أي أن لكل حلقة منها قصة منفصلة ومستقلة بموضوعها وبشخوصها أو في معظمهم كما هي الحال في أهل الغرام وقبله الفصول الأربعة وحكايا الليل والمسلسل الذي عرضته قناة دراما سورية مؤخراً بعنوان «صور عائلية» أما المسلسلات التاريخية والبدوية فيبدو أن عدد المدمنين عليها يتناقص باستمرار مع الأيام وكذلك الأعمال الدينية التي تمولها وتشجعها شركات غربية ذات صبغة وأهداف سياسية معروفة تقترب من أهداف التخدير التي أشرت إليها، وتتراجع فنياً باستمرار نظراً للسطحية في معالجتها والمباشرة في مواعظها والأخطاء التاريخية واللغوية التي تفسدها، على الرغم من جودة الإخراج والتمثيل وسخاء التمويل الذي يعمل على استمرارها غير آبه بإعراض المتفرجين عنها وماتسببه لهم من إملال بعد مشاهدتهم ما يكفي سواء في رمضان أم بعد رمضان من برامج دينية تقليدية وعلمية موثوقة. الإدمان الخطير إذاً هو التسمر أمام المسلسلات المعاصرة والانشغال بمتابعتها طوال الوقت. وما يزيد الطين بلة إصرار معظم الفضائيات على الترويج لها وبث برامج تدور حول المسلسلات نفسها وممثليها ومخرجيها وكذلك كتّابها بالدرجة الثالثة والدخول في تفاصيل حياتهم أوحياتهن أو آخر أخبارهم وأخبارهن وأعمال تصوير مسلسلات جديدة يشاركون فيها أو أخرى انتهوا منها حتى إن بعض الفضائيات صارت تبث أخباراً عن مسلسلات ينوي بعض الكتّاب البدء بكتابتها أو بعض المخرجين قراءتها وبالتالي بعض الشركات الأجنبية تمويلها. إن هذه المحطات لاترى لبرامجها موضوعاً غير الدراما والترويج لإنتاجاتها إمعاناً في اجتذاب المزيد من الناس إلى إدمان مشاهدة الانتاجات والانصراف عن أي إنتاجات ثقافية أوعلمية أو فنية حقيقية أو اجتماعية سواء في رمضان الكريم أم على طول الأيام والسنين. فيا أيتها الدراما السورية المسكينة كم باسمك تقترف الآثام..
|