وأنا على يقين أن هناك أسماء كثيرة من المؤلفين وكل واحد منهم له أسبابه في عدم النشر أو تأجيله، أليست ظاهرة غريبة!
د. علون الفنان الناقد والباحث يقول إن لديه أكثر من 15 عنواناً عن المساهمات السورية في الحضارة والفنون، لكنها لاتزال هذه المؤلفات تؤثر دفء خزائنه!
عندما اطلعت على حكاياه الملاح التي سطرت في 800 صفحة على جزأين تمنيت أن يقرأ هذا المخطوط كل فنان، وكل باحث ومؤرخ، لمايحمل بين مفرداته قصصاً واقعية نجهلها عن فنانين كبار عاصرهم د. عبد العزيز علوان، وجاءت موثقة، أمينة عرّج فيها على جوانب هامة في شخصية كل واحد منهم...
مثلاً: في حكايا ملاح يتحدث د. علون عن الفنان بيير هاري الذي أخذته سيدة فرنسية الجنسية أو لنقل /تبنته/ وكان طفلاً يتيماً لأسرة سورية فقيرة كانت مقيمة في مدينة درعا، وهذا الطفل كان في السادسة من عمره واسمه فواز، مساعدات مالية كبيرة قدمتها ماري هاري لأسرة فواز وحملته معها إلى فرنسا بعد أن غيرت اسمه إلى بيير، أيام الانتداب الفرنسي على سورية، ماري هاري هو اسم الكاتبة الفرنسية التي برزت في الرواية الفرنسية الكلاسيكية وكان أشهر أعمالها ماكتبته في روايتها عن الهند، هذه السيدة وهبت بير جلّ اهتمامها فدّرسته في أرقى المدارس الفرنسية وهيأته ليكون دبلوماسيا بعد تخرجه من المدرسة الدبلوماسية في فرنسا عمل بيير في الخارجية، وفي ذلك العام الذي تخرج فيه ذهب لقضاء فترة إجازته في مرسم والده الذي تبناه، وهو جان هاري رسام الوجوه المعروف، كان لهذه الإجازة أثر كبير على بيير فغّير مجرى حياته عندما أحب التصوير، لذلك قرر أن يترك الدبلوماسية رغم اتقانه لعدة لغات ونجاحه في عمله، عندها دخل إلى كلية الفنون الجميلة في باريس وأصبح فناناً لامعاً وأحد فناني البلاط المصري، فرسم الوجوه مثل والده جان هاري وتفوق عليه وصار أحد خبراء اللوفر، أسس متحف نيويورك للفنون، وهو أشهر متاحف العالم.
في السبعينيات في باريس تعرف عليه د. علون عن طريق السفير السوري حسين حاتم واستمرت الصداقة فترة طويلة لم يكن بيير ينعش ذاكرته بـفواز ولم يكن يهتم لهذا.
يقول علون: بل هي عملية طمس مقصودة من بيير، فقد كنا نلتقي غالباً في مقهى بروكيه الشهير في باريس أو في مرسم بيير على طرف نهر السين، ولم يكن يشده الحنين في العودة إلى سورية.
في (حكايا ملاح) يؤرخ الكاتب لعدة جلسات بينهما ويشير إلى شخص آخر أيضاً تبناه الفرنسيون تحت هذا الاسم بيير، لذلك فإن البعض يخلط بين الشخصيتين.
وبيير فواز هو الشخصية التي كتبت عنه بنت الشاطئ، والتقت معه في القاهرة التي كان يتردد عليها كثيراً والتي كان مرتبطاً فيها بصداقة مع وزير الثقافة المصري في حكومة الملك فاروق، كان يرسم شخصيات البلاط، فرسم زوجة الملك فاروق عدة مرات، وآخر لوحة هي /ذات الفراء الأبيض/ الموجودة حالياً في اللوفر، وقد كتبت عليها هذه التفاصيل، ولبيير لوحات أخرى مشهورة من سورية فقد رسم خالد العظم، وسعد الله الجابري وغيرهم ومن لبنان أيضاً رسم كميل شمعون.
يقول د. علون: إن بيير من الشخصيات الهامة التي التقاها وكان يتميز بثقافته العالية، فهو متابع بعمق ثقافي وبأربع أو خمس لغات في ذلك الوقت، كانت له صديقة محبة للمسرح فكانت تدعو د. علون وبيير دائماً إلى مشاركتها تلك الهواية.
هذه الذكريات مع هاري أحيلت إلى قصة جميلة في 35 صفحة سجلها د. علون بدقة وأهم مايميزها أن هذه الشخصية لم يكتب عنها في اللغة العربية ومثلها 50 قصة قصيرة جمعت وقسمت إلى كتابين أحدهما ذكريات مع الحفارين (المنقبين في البعثات الأثرية) والثاني ذكريات مع الفنانين.