تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


أسرار البنيوية... تفكيك البنى والرموز

كتب
الأربعاء 10-7-2013
يمن سليمان عباس

كثرت المناهج النقدية التي أتتنا من الغرب وصارت جزاء من فكرنا النقدي سواء أحسنا استخدامها أم لم نحسن، ولكن ماذا عن جذورها هناك وعن ينبوعها الحقيقي؟

كتاب في البنيوية التكوينية دراسة في منهج لوسيان غولدمان لمؤلفه الدكتور جمال شحيد والصادر عن دار التكوين بدمشق يبحث في هذه الينابيع ولاسيما منهج لوسيان غولدمان.‏

بنيوية تكوينية حديثة‏

في مقدمته يرى الباحث الدكتور شحيد أن دارس الأدب عندنا إن أراد أن يعيش عصره لابد أن يدرس مختلف التجارب الأدبية التي مرت بها الشعوب أو أن يلم بها على أقل تقدير، ذلك أن دراسة الأدب ككل وتطبيقها على أدبنا العربي القديم أو المعاصر مازالت بشكل عام متأثرة إما بمقولات جمالية وتقييمية تقليدية وضعها العرب في العصور الغابرة، وإما بأسس ومناهج غربية أصبحت قديمة جداً وبالية ولا يليق بالباحث العربي المعاصر أن يخضع لها بدون روح نقدية تستبين مدى فعاليتها وبما أن الذهنية التي نشأت غيها هذه الأسس والمناهج قد تغيرت، يتعين على الباحث العربي أن يلجأ إلى أسس ومناهج جديدة تفرزها ذهنية جديدة تعيش أبعادها وتتجاوب مع واقع عصره وزمانه.‏

والبنيوية التكوينية التي تبلورت بشكل أساسي على يد لوسيان غولدمان تحاول أن تحلل البنية الداخلية لنص من النصوص رابطة إياه بحركة التاريخ الاجتماعي الذي ظهر فيه.‏

والحق يقال إن الدراسات التطبيقية التي وردت في كتاب «الإله الخفي» أوفي كتابه الآخر من أجل سوسيولوجيا للرواية قد فتحت آفاقاً جديدة لفهم النص الأدبي أو الفلسفي وأدت إلى اكتشافات مهمة راحت عن بال النقد التقليدي، الذي عالج المواضيع نفسها خلال عشرات السنين إن لم نقل خلال قرون برمتها.‏

وكم نحن بحاجة لقراءة أدبنا العربي القديم منه والحديث إلى منهج جديد يؤدي إلى اكتشافات متميزة تقود في النهاية إلى فهم جديد لتراثنا الثقافي ينتسخ فيه عدد كبير من المقولات المتحجرة التي تتكرر ببغاوياً على ألسنتنا،.‏

ويرى الباحث أن المنهج البنيوي «تكوينياً كان أم شكلانياً» يخولنا الوصول إلى فهم جديد لهذا التراث، من هنا ركز على الجانب التكويني منه واختار بعض النصوص المعبرة وترجمها من مختلف أعمال غولدمان.‏

حياة غولدمان الثقافية‏

بداية وفي الفصل الأول من الكتاب تحدث الدكتور شحيد عن حياة غولدمان الثقافية ، فقد ولد في مدينة بوخارست عام 1913، سنة 1934 وصل إلى باريس حيث بدأ بتحضير دكتوارة في الاقتصاد السياسي وأثناء وجوده في كلية الحقوق حصل من السوربون على إجازة في الأدب الألماني وأخرى في الفلسفة.‏

ومارس عدداً من المهن ليستطيع العيش، فكان يدرس ويشتغل في آن واحد، فعمل في محل لتنظيف الغسيل وكبائع صحف وهناك في باريس استقرت عنده بعض المقولات الأساسية في منهجه ولاسيما مقولة الكلية أو الشمولية التي سيكون لها دور حاسم في فكره.‏

وعندما بدأ الاحتلال الألماني هرب غولدمان من باريس إلى تولوز حيث أودع السجن لكنه تمكن من الهرب وفر إلى سويسرا، ومن ثم حصل على منحة لتحضير الدكتوراه في الفلسفة عن كانط في جامعة زوريخ، وعينه بياجيه مدرساً في جامعة جنيف ومساعداً له في أبحاثه، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها عاد غولدمان إلى باريس حيث عمل كباحث في المركز الوطني للبحث العلمي وبدأ بتحضير إطروحة دكتوراه في الآداب عنوانها «الإله الخفي، دراسة للرؤية المأساوية في خطرات باسكال ومسرح راسين».‏

وسنة 1961 طلب معهد علم الاجتماع التابع لجامعة بروكسل الحرة من غولدمان أن يؤسس فرعاً خاصاً لسوسيو، لوجيا الأدب ثم عهد إليه إدارة هذا القسم فأصدر سنة 1964 كتابه «من أجل سوسيو، لوجيا للرواية» درس فيه أعمال أندريه مالرو الروائية والرواية الحديثة.‏

لما اهتم ببعض مسائل الأدب والمسرح المعاصرين وخلال السنوات الأخيرة من حياته اهتم بمشكلات المجتمع الغربي المعاصر.‏

الوصية النظرية‏

وينتقل الدكتور شحيد للحديث عن الوصية النظرية لغولدمان ويناقشها من الصفحة 217 إلى الصفحة 225، ويخلص إلى القول -حسب شحيد وغولدمان- إن التجربة التاريخية التي تدفعنا إلى رؤية أهمية الحركات المتطرفة، والدور الذي يمكن أن تلعبه في التاريخ يجب أن يحذرنا من الأخطار المحيقة فإذا استولت البورجوازية الفرنسية على السلطة بتحالفها مع الشعب وباعتمادها عليه فإنها، قد تخلصت منه بطريقة همجية ودامية سنة 1848 و 1871 بعد سقوط الكومونة.‏

ولا يستبعد من التطور المتطرف المتوجه نحو التحديث أن يؤدي إلى صراع بين أقلية من المنتجين « ذات امتيازات» وبين الجماهير التي اعتمدت عليها هذه الأقلية لتحقق تطلعاتها ولكنها بالتالي ستحاول أن تقصيها عن الإنتاج والإدارة وتسعى - بخاصة- أن تلغي نفوذها، وأعتقد أنه من أهم وظائف المفكرين الاشتراكيين المعاصرين أن يساهموا قدر استطاعتهم في تقليص مثل هذه الصداقات، وفي أن تصبح المكتسبات الاشتراكية والإنسانية عاملاً أساسياً للتطور المقبل وأن تحافظ أيضاً على طابعها الدائم، وبالنسبة للتطور التاريخي الذي لايشكل إلا نتيجة إجمالية للأعمال البشرية أظن أننا نستطيع أن نأمل أنه سيتجنب الهمجية حتى لو قبلنا في الواقع بإمكانية عدم تحقيقه التام للاشتراكية، والمهم أن نبذل قصارى جهدنا كي يقربنا هذا التطور من الاشتراكية بغية تقليص الهمجية إلى الحد الأدنى.‏

الكتاب: في البنيوية التكوينية دراسة في منهج لوسيان غولدمان. - المؤلف: د. جمال شحيد. - الناشر: دار التكوين - دمشق.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية