أسمهان الأميرة التي عانقت المجد
فنون الأربعاء 10-7-2013 علي الأحمد كانت امرأة وفنانة استثنائية بكل ما تحمل الكلمة من معنى .وبالرغم من حياتها الخاطفة استطاعت أن تحقق مجدا غنائيا عاليا بمقولاته التعبيرية والجمالية ،كان احد تجليات زمن الفن الجميل
الذي اشترك الكبار المؤسسين من شعراء وملحنين ومغنين في خلق سماته الخاصة الفريدة وتأطير نتاجاته ضمن الروح والمزاج العربيين بمساعدة العلوم والتقنيات الغربية الكلاسيكية .
بذلت هذه المبدعة الكبيرة الكثير من الجهد والصقل واكتساب المعرفة بأصول الغناء وتقنياته عربيا وغربيا على حد سواء من خلال اساتذة عظماء أثروا تجربتها الغنائية العالية الممزوجة بنكساتها الروحية وخيباتها المديدة ، فعبرت عنها في كثير من أغنياتها بشكل أقرب الى التوثيق حيث مسارات حياتها وابداع فنها تتطابق الى حد كبير لكنها مع ذلك حاولت الخروج عن مسارات الرضا والخيبة بمزيد من التألق والعطاء الروحي الآسر كشخصيتها و حضورها المضيء كأميرة متوجة أبت القيود وأسر العادات والتقاليد المتحجرة لتحفر مسار حياتها القصيرة بظفر المعاناة والقلق والهروب الدائم نحو كل ما يعوضها وينسيها شقاء الأيام ،وكان عزاؤها الوحيد وسلواها تلك الصحبة والرفقة الفنية الهانئة التي أحاطت بها ومنحتها كل العون والدعم ،وهو ما أثمر عن أعمال غنائية اكتسبت أهمية خاصة بمقولاتها ودلالاتها التعبيرية والتصويرية كما نرى في أغنيات “ليت للبراق عينا :وأسقينيها بأبي أنت وأمي ،وياطيور المشبعة بقيم الغناء الأوبرالي ،وفرّق مابينا ليه الزمان،وأنا اللي أستاهل من ألحان الموسيقار المجدد محمد القصبجي ،وأيها النائم “وانضحوه بدموعي وانثروا حوله قلبي الذي أضحى حطاما للموسيقار الكبير رياض السنباطي الذي استطاع استخراج الدرر المخبوءة في صوتها العذب بإبداع يفوق الوصف ،بدوره الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب منحها درة من درر الغناء العربي في رائعته الخالدة أوبريت “قيس وليلى “ من أشعار أمير الشعراء أحمد شوقي والتي يعتبرها الكثير من النقاد ذروة الابداع الموسيقي والغنائي العربيين في العصر الحديث كما غنت له أيضا “محلاها عيشة الفلاح “أما الموسيقار الخالد فريد الأطرش فقد قرأ بعمق مسارات الحزن الدفين في صوتها واستنطق الكثير من تفاصيل الجمال فيه عبر العديد من الأعمال الكبيرة من أشهرها روائعه الخالدة “ياللي هواك شاغل بالي ،ويابدع الورد ،وليالي الأنس ،وأنا أهوى ،وموال يا ديرتي مالك علينا لوم وغيرها من ابداعات شدت بها مع ملحنين عباقرة كزكريا أحمد ومدحت عاصم وفريد غصن وغيرهم من ملحنين .
إنها أسمهان الأميرة المتمردة التي كانت تدرك أن الحياة لن تعطيها ما تريد فرجعت الى مائها الأول في حادث مأساوي أسدل الستار على رحلة مبدعة كبيرة عاشت لفنها كما تريد ولحياتها كما تشتهي عاشتها بأنوثتها الطاغية وشخصيتها الشامخة بالكبرياء ،ليبقى سحر صوتها وعذوبته ونقاء آهاته كمسيل الماء العذب الذي ارتوت منه الذائقة والوجدان في زمن الفن الراقي الذي لا ينسى .
|