سنفرش موائد شهر رمضان المبارك على مدار ثلاثين يوماً قليلاً من الخبز والملح وكثيراً من الرغبة والدعوات بعودة البهجة والسعادة والوئام للسوريين كلهم تحت مظلة الوطن الكفيلة وحدها بمنحنا الأمان والشعور بالطمأنينة..
نتذكّر من كنّا نتبادل معهم التهنئة بقدوم شهر رمضان وقد غاب بعضهم فيدمع القلب هنيهةً لكنه سرعان ما يعود إلى إيقاع الوطن المنتصر بإذن الله ليكتب مع الشمس وعليها مجداً لن يغيب ولن يتبدّل لأن أبطالاً من رتبة الميامين يحرسونه ويصنعونه، ولهؤلاء حيث لا يجد أكثرهم حوله من اعتاد أن يكون معه وإلى جانبه في دعوات ما قبل الإفطار وفي نجوى ما بعد السحر، هؤلاء الميامين الذين يصومون على حبّ الوطن ويفطرون على استعدادهم المستمر للدفاع عنه، لهؤلاء تنحني الهامات إجلالاً، وتخفق القلوب محبّةً وتقديراً، وللمشتاقين لهؤلاء الأبطال من زوجات وأخوة وأهل وأبناء نقول: سندعو الله أن يتقبّل منّا صيامنا وقيامنا وأن يحمي جيشنا العربي السوري البطل وأن يحقن دماء جميع السوريين وأن يعود لكم بخير وسلامة من فضّل حبّه الكبير “سورية” على حبّه الشخصي ابناً وزوجة وأباً وأماً فهؤلاء إن شاء الله أجرهم مضاعف...
في رمضان عام 2010، وأثناء عودتي من دمشق إلى طرطوس في يوم جمعة مبارك، حان وقت آذان المغرب والإفطار بالقرب من مفرق بلدة حديدة غرب حمص بقليل، وكان هناك مجموعة من سائقي الشاحنات الكبيرة وقد فرشوا مائدته بجوار الطريق الدولي وما إن ألقيتُ السلام عليهم بقصد طلب “شربة ماء”حتى أقسموا جميعهم أن أتناول إفطاري معهم وهو ما كان دون أن يسألوني من أكون ودون أن أشعر بأي غربة معهم مع أني لا أعرف أياً منهم على الإطلاق...
في رمضان 2013 سيأخذ الحبّ مسلكه المعتاد في قلوب السوريين، سينسكب في العيون لحناً أصيلاً يغنّي الوطن ويسهر على جنح السؤال عن أحواله وأحوال بنيه، ويرحل مع شرفة لم تتعب من السؤال عن أحوال الياسمين، والخبز الذي اعتدنا نتبادله مع حمد الله سيبقى مقدّساً ومعجوناً بكلّ الخير الذي يلتقي عنده السوريون، أما أصوات الغربان فقد مللنا من سماعها، والخراب الذي ينعق البوم فيه سنعيد إليه “بستان هشام” وما نتمناه في هذه الأيام المباركة هو أن نخلص الدينَ الحقَّ وأن نخلّصه ممن يتاجر به وأن نعيش رمضاننا بكلّ النقاء وبكلّ المحبة التي جاء بها، لا تحتكر ولا تستغلّ ولا تتراقص على آلام غيرك فالأحوال المعيشية صعبة وغلاء الأسعار يضرب أطنابه، والقلوب موجوعة بذكريات من غابوا فلنعدْ جميعاً إلى طيبتنا وإلى بساطتنا الجميلة “سكبة” هنا وأخرى هناك، وسؤال عن جار ضاقت به السبل، ودعاء من القلب لمريض هناك، فلا أحلى ولا أجمل من الوقوف بين يدي الله عزّ وجل في هذا الشهر على وجه التحديد وقد غرفنا من الفضائل ما أمكننا فعله...
هذه هي سورية، وهؤلاء هم السوريون ولن يتغيّروا وإن كانت الظروف صعبة حالياً لكننا كلنا ثقة وأمل بأن كل شيء سيعود أجمل مما كان لأن من تربّى على هذه الفضائل لايستطيع أن يعيش من دونها، ولأن الحياة لا ترضى بنا إلا زينةً لها..
رمضان بيننا، أهلاً وسهلاً وعلى الرحب والسعة، نأمل أن نودعه مأجورين ومنصورين بإذن الله..