تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


الديمقراطية الأميركية المزيفة وإرادة الشعوب

شؤون سياسية
الأربعاء 10-7-2013
حسن حسن

الفوضى الخلاقة التي يسمونها تحبباً «الربيع العربي» كان هدفها خلق حالة فوضى عارمة تضرب المنطقة لتقسيم المقسم وتجزيء المجزأ، لتصبح كل الدول مشيخات على شاكلة قطر ليسهل إقامة الدولة اليهودية باعتبار أن كل الدول ستتحول لكانتونات طائفية، ومن ثم تسهيل التخلص من الحلف المقاوم إلى الأبد.

ولعل الانقسام الأكبر، كان حول ما يجرب في سورية، إذ إن الأغلبية من المجتمع الدولي يدركون تماماً أن سورية هي الداعمة للمقاومة، وأنها الدولة الوحيدة التي ترعى بقيادتها وجيشها وشعبها مقاومة الوطنية ضد العدو الصهيوني، في لبنان، أو داخل فلسطين المحتلة، فوقف أحرار العالم وقفة تضامنية في الصميم، معللين وقفتهم بقراءة معمَّقة لحجم المؤامرة التي تتعرض لها سورية خصوصاً، والعالم العربي عموماً، مقاربين في قراءتهم التاريخ القديم والحديث، والأحداث التي عصفت بالمنطقة من احتلال العراق إلى اغتيال الحريري، وعدوان تموز عام 2006م على لبنان، والعدوان على غزة 2008م، رابطين تلك الأحداث بتصريحات أميركية و«إسرائيلية»، وأوروبية، تلتقي كلها في مشروع اتخذ تسميات عديدة، من خريطة الطريق إلى الشرق الأوسط الجديد.‏

أمَّا الفريق الآخر، وجلّه من المناهضين للمقاومة وخطها على مدى عقود من الزمن متماشين مع حملة التضليل الإعلامي الذي تقوده قنوات التضليل كالجزيرة والعربية وغيرهما من القنوات العربية، فيصورون العصابات المجرمة التي تفتك بالمواطنين السوريين والجيش والأمن، مجرد شعب مسكينٍ مضطهد، بينما تقوم هذه العصابات بارتكاب الجرائم والمجازر بحق المواطنين الأبرياء.‏

لكن المهللين لسقوط أنظمة تونس وليبيا ومصر، خذلوا بما آلت إليه الأمور، فمن كان يحلم بدول ديمقراطية ومدنية، يحكمها العقل العلماني الذي يعتبر الطريق الصحيح والأسلم والأنجح نحو التطور والحرية والتقدم، فوجئ بتنامي الحركات «الإسلامية» في تلك الدول، وبدعم أميركي وأوروبي واضح. وهذه الحركات «الإسلامية» لم تتوانَ عن الإعلان أنها مع بنود اتفاقية «كامب ديفيد» المشؤومة، وأنها مع بقاء هذه الاتفاقية، وليست في وارد إعلان الحرب أو العداء على أحد، والمقصود هنا «إسرائيل».‏

وليس غريباً أن تبقى سفارتها قائمة في القاهرة إلى الآن، كل ذلك يدحض بالدليل القاطع أنهم يفعلون عكس الشعارات التي كانوا يتحفون بها الجماهير، حيث كانوا «يعارضون» النظام المصري البائد في هذا الشق: العداء مع «إسرائيل».‏

وما كان يدعو للاستغراب في مصر، تحالف الحركات السلفية مع «الإخوان المسلمين»، حيث إن المعروف تاريخياً، عمق الهوة بين «الإخوان» والسلفيين وخلافهم الجذري في ما يتعلق بالعقيدة الدينية وممارستها، ولا غرابة أن يترجم هذا التحالف خدمة للمصالح الأميركية والصهيونية.‏

وأخذت الصورة تتضح يوماً بعد آخر، أن الهدف هو إعادة الخلافة الإسلامية إلى اللوحة العربية مجدداً، أي تحويل الحكم إلى ديني ، والدول من مدنية إلى دينية رجعية تعيدنا 1400 عام إلى الوراء.‏

ومن كان يتخيل أن مصر «هوليوود الشرق»، من دون فنون، ومن دون سينما أو دراما، ومع تسلم الإخوان أوالإسلاميين الحكم، كيف ستكون الصورة الحضارية لهذا البلد؟ حتماً، وباسم الدين كانت السينما ستتلاشى، وتصبح الفنون على كل أشكالها، من مسرح ودراما وشعر وأدب ورسم وتصوير، تراثاً مندثراً يحرّم على كل مصري نبشه وإعادة إحيائه.‏

أمَّا الصعيد الشعبي، فكادت مصر أن تعيش في أتون الفتنة الطائفية، ولاسيَّما بين المسلمين المتشددين والأقباط، ولن تخرج من هذا الأتون إلاّ بعدد كبير من الضحايا. وغابت كلمة «مدنية» من الدستور المصري، أمَّا العلمانية فتحولت إلحاداً وفجوراً تعاقب عليه الشريعة، والمرأة لا دور لها سوى بملازمة منزلها الوالدي أو الزوجي، وكل ما تتعلق به من حقوق حرام.‏

هذا غيض من فيض ما كان يمكن رؤيته في المستقبل على خلفية ما سُميَّ «الربيع العربي»، فأيُّ ربيع هذا الذي يعيد الشعوب مئات الأعوام إلى الوراء ومع احترامنا للإسلام كدين ينظم حياة البشر وينقي النفوس إلاَّ أن التاريخ أثبت أن الدين متى اختلط بالسياسة بات وبالاً هدّاماً يؤخر حياة الأمم ولا يتقدم بها.‏

ألم يعِ العرب بعد أهمية الثورات الصناعية في أوروبا التي نقلتها من الحكم باسم «الكنيسة» الذي يغرقها في دياجير الجهل والتخلف وعداء العلم، إلى الحكم العلماني الذي حملها بين راحتيه إلى دنيا التطور والاكتشافات والاختراعات ومن خلال ذلك إلى السيطرة على العالم بقوة العلم والمال؟‏

إن الانحراف المقصود في مسار «الربيع العربي»، والذي أرادته أميركا و«إسرائيل» منذ بداياته، لا يشير إلاّ إلى «خريف» لا يليق بكلمة «ثورة» حتى يتبناه العرب ولاسيَّما الشباب، وإن كل حرية ما لم تكن نابعة من إرادة الشعوب هي باطلة.‏

ومن لم يدرك بعد أن الحرية الديمقراطية والتقدم والرقي والقوة لا يمكن أن يتحقق إلاّ بزوال «إسرائيل» من الوجود، وقيام وحدة المجتمعات كل ضمن نطاقها الجغرافي الطبيعي، فهو واهم ولا يمكن لصيدلية أميركية، أوأي إرادة أجنبية، أن تزوده بالدواء الناجع، لأن هذا الدواء تختزنه إرادته هو.‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية