تصدر عن مؤسسة الوحدة للصحافة و الطباعة و النشر
طباعةحفظ


المشروع الاستعماري.. نزعة تتجدد وعداء يتمدّد

شؤون سياسية
الأربعاء 10-7-2013
بقلم: د. أحمد الحاج علي

لاتنبعث المشاريع الاستعمارية عادةً على حين غرّة وبصورة مفاجئة ، إن لحظة انكشافها هي التي تقوم هذا المدى بكونها انكساراً حاداً وتطوراً لم يكن بالحسبان،

حقيقة الأمر أن كل مشروع استعماري له عمر وله ذاكرة‏

ويتشكل عادة من الجذور ليمتد حتى تنفجر ثماره المرة والتي تتساقط عادة على شكل قنابل وصواريخ وبأخلاقيات النهب المنظم وبشهوانية البيع والشراء في مصير البشر، والقوة الاستعمارية تولد كذلك أي أنها تتخلق منذ مسقط الرأس الزماني والمكاني على أنها قوة استعمارية ثم تستكمل عناصر نمو أظافرها وأنيابها وأفكارها مع امتداد الزمن هكذا وجدت فرنسا قوة استعمارية، وهكذا بريطانيا وهكذا بنيت الولايات المتحدة الأميركية بالفعل الاستعماري وبطريقة ممارسة الحياة في الاعتداء على الآخرين إن الأمم الحية لاتبني كياناتها على حساب الشعوب الأخرى ولقد يحدث أن تصاب بعض الحضارات بلوثة السطو على الآخرين وإغراء الامتداد على أراضي الغير ولكن ذلك يحدث بفعل حاكم أو أسرة حاكمة ثم مايلبث هذا المدد أن ينطفىء وتعود الأمة الحية إلى مقاديرها ومعاييرها، أما القصة عند الغرب بشقيه الأميركي والأوروبي فهو الولادة والنشأة الاستعمارية دون غيرها فلا حضارة للغرب بدون الهيمنة الاستعمارية لاوجود لكيانات هذا الغرب بدون نهب ثروات الأمم وإبادة حضاراتها وتغليف ذلك كله بمفهوم الانتداب وتنوير الشعوب ومساعدتها على الحياة الديمقراطية المتطورة ، من هنا نرى أن الغرب الاستعماري ربط مصيره ووجوده بالدور الاستعماري واستمراره ، إن الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا لاتستطيع ضمان الاستقرار والاستمرار والعيش الطبيعي بدون المؤامرات على الآخرين والاعتداء على حقوقهم، هكذا نشأت هذه الدول الغربية ولكن الذي أدخلته كعوامل مضافة في مسيرتها الإمبريالية يتمثل في نقاط أربع ، أولها وجود الكيان الإسرائيلي وقد صار هذا الكيان إنجازاً للغرب وصار الغرب حاضنته وقوته التي تمده بما يلزم بأداء ذات الدور الاستعماري ومن هنا كانت العلاقة العضوية بين الغرب والحركة الصهيونية والكيان الإسرائيلي ، فكلا الطرفين مادة الآخر وجذره وحاجته وسيفه وقلمه فلا مشروع غربياً بدون إسرائيل ولا إسرائيل بدون قوة الغرب الاستعماري وبالمفهوم الحديث فقد صار أمن إسرائيل ورفاهية إسرائيل هو البند الأول أو الثاني في كل استراتيجيات الغرب الاستعماري ، وثاني النقاط المؤسسة والمؤثرة في المشروع الاستعماري يتمثل في النظرة إلى العرب على أنهم عدو تاريخي بكل المستويات وعلى أنهم لايصلحون إلاّ سوقاً استهلاكية نهمة للمنتج الاستهلاكي الغربي العسكري والصناعي والثقافي ، إن العرب ثلاث مئة مليون مستهلك لايشبع ولايقنع ومادام النفط يتدفق والغاز يملأ الدنيا فالمال إذاً غزير ووفير وسهل ورخيص ومازالت الذهنية العربية القبلية تبحث عن الوجاهات والمتعة والغرام والليالي المفعمة بكل ماهو من دناءات البشر .‏

وثمة فتات يلقى للملايين العربية عبر أنظمتها وحكامها تتراقص تجليات هذا الفتات على شكل قصور ومقتنيات وجوار وحافلات واستمتاع مابعد المؤانسة والامتاع ومن ضمن هذا الفتات تترك للعرب الوجهاء بقايا التبجح والتي سوف تشكل فيما بعد الحافز الرئيسي لأخذ دور وظيفي سياسي كما هو الحال في نموذج آل سعود وآل ثاني ويصدق العرب(العبيد) الحكاية يقبلون يد الجلاد مالكهم من الألف إلى الياء ويتقنون فن إشهار السيف الصدىء على الشعوب العربية الطيبة وعلى المواقع الحضارية التي ماغابت يوماً عن القيم وماغابت القيم عنها في يوم من الأيام وثالث النقاط المؤثرة في قصة الاستعمار هي النظرة للدين الإسلامي الحنيف وقد وجد الغرب فيه قوة الرسالة والانبعاث فاختلقوا من داخله أفكاراً ونصوصاً بقصد تشويه الإسلام على مدى عقود وقرون ثم استحدثوا تنظيمات سياسية تحت عباءة الإسلام وزودوها بالإرهاب والانتهاز والكذب ثم دربوها على كيفية الانقضاض على الضحية في هذه المرحلة أو تلك لاسيما أن القصة هي الجهاد في سبيل الله والامتثال لأمره كما يروجون ، إنهم بذلك يريدون سحب القوة القائدة والرائدة في الحضارة العربية عبر تفريغ هذه الحضارة من الإسلام ومن المسيحية معاً، لقد نجح الغرب مرتين في هذا الاتجاه مرةً حينما حولوا الإسلام إلى مصدر للإرهاب وإلى معادل لسفك الدم والإغراق في الظلام ومرة ثانية حينما نفخوا في القوى الإرهابية الإسلاموية شهوة الإبادة للعرب بدافع خطير هو أن الجماهير العربية عدوة الله ولابد من الجهاد فيها وعليها وليس معها والأفكار الجهنمية كافية للتبرير وخط سير الحياة في مشروعهم هو أن العرب وقوميتهم نقيض الإسلام واعتداء على جوهره، وزين المستعمر للإرهابيين هذا الدور حينما استحدث دعاةً ووعاظاً ومشايخ برتبة أئمة لخدمة هذا المنحى الشيطاني وفي حالات كثيرة حدثت حالة إرتاج على العقل العربي حتى لقد توهم الإرهابيون أن المطار إلى الجنة حيث الحوريات العين هو في سورية والعراق ومصر وأن ثمن بطاقة الوصول إلى الجنة الموعودة هو دم يسفك وأوصال تقطع وأكباد تؤكل ومنازل تدمر ومقدسات لابد لها أن تنهار ، ويدلنا المشهد الراهن على مجمل تطبيقات هذه الفكرة فقد جاء المستعمر التاريخي هذه المرة بكياناته المعهودة وفي ركاب المستعمر قطعان إرهابية هائجة عميت أبصارها وبصائرها وتبنت القتل والتدمير منهجاً عادياً لحياتها ، وأما النقطة الرابعة فهي هذا التوجه الاستعماري التاريخي لتقطيع خط التاريخ وقاعدة حركته على مدى آلاف السنين حتى الآن وخط التاريخ هو مصر ثم فلسطين فسورية فالعراق وكل المعارك قديمها وحديثها كانت تقع في هذا الخط وعليه ، قطعوا مصر العربية بحجة كامب ديفيد والسلام مع إسرائيل واقتطعوا العراق تحت وطأة حرب استنزافية مع إيران وكبلوا فلسطين باتفاقيات أوسلو وسواها وسعوا لاستفراد سورية بطريقة الحصار من الخارج والإرهاب من الداخل والمدى واسع لاينقطع في المؤامرة الكبرى والصراع قائم على خط التاريخ وهذا ماتفسره وقائع الإرهاب في سورية ووقائع الإرهاب والفتنة في مصر العربية .‏

إضافة تعليق
الأسم :
البريد الإلكتروني :
نص التعليق:
 

 

E - mail: admin@thawra.sy

| الثورة | | الموقف الرياضي | | الجماهير | | الوحدة | | العروبة | | الفداء | | الصفحة الرئيسية | | الفرات |

مؤسسة الوحدة للصحافة والطباعة والنشر ـ دمشق ـ سورية